Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
[2.101]
{ ولمآ جآءهم رسول من عند الله } عطف باعتبار لازم قوله { أوكلما عاهدوا } فانه يفيد أن هذه ديدنهم فكأنه تعالى قال: لما كان هذا ديدنهم استمروا عليه { ولمآ جآءهم رسول من عند الله } وضمير جاءهم راجع الى اليهود لكنه تعريض بمنافقى الامة، او هو راجع الى اليهود الذين سبق ذكرهم والى منافقى الامة ابتداء، ولما كان مجيء الرسول (ص) مستلزما للاتيان بالاحكام التى أرسل بها وقد سبق ان تلك كتاب الله سواء كانت مكتوبة فى كتاب او لم تكن ظهر وجه صحة التفسير المنسوب الى الصادق (ع) من قوله: ولما جاءهم جاء اليهود ومن يليهم من النواصب كتاب من عند الله القرآن مشتملا على وصف محمد (ص) وعلى (ع) ووجوب ولايتهما وولاية أوليائهما وعداوة أعدائهما { مصدق لما معهم } مع اليهود مما فى التوراة ومما وصل اليهم من أسلافهم من أوصافهما وأخبارهما، ولما مع منافقى الامة من الدلائل الواضحة الدالة على صدق محمد (ص) وصدق كتابه وفضل على (ع)، ومما فى كتاب محمد (ص) من الآيات المصرحة بفضل على (ع) وخلافته، ومما قاله محمد (ص) فى فضله وخلافته { نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب } وهم اليهود ومنافقو الامة فانهم أوتوا أحكام الرسالة والكتاب التدوينى الذى هو التوراة والقرآن { كتاب الله } اى المنزل فى وصف محمد (ص) وعلى (ع) فى التوراة والقرآن او جملة التوراة والقرآن { ورآء ظهورهم } النبذ الطرح والتقييد بقوله { ورآء ظهورهم } اشارة الى الاعراض عنه وعدم الاعتداد به { كأنهم } اليهود ونواصب الامة { لا يعلمون } ان الكتاب او محمدا (ص) ونبوته او عليا وامامته حق من الله مع أنهم يعلمون ذلك فهم أشد ممن خالف من غير علم او كأنهم ليس لهم علم وادراك حتى يميزوا بعلمهم أنه حق او باطل.
[2.102]
{ واتبعوا } عطف على نبذ فريق يعنى أعرضوا عن الحق واتبعوا { ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان } تلا يتلو تلوا تبعه تبعا وتلا عليه يتلو تلاوة قرأه عليه وتلا عليه يتلو كذب عليه.
حكاية ملك سليمان وكونه فى خاتمه ورمز ذلك الى الصادق (ع)
اعلم أن اكثر قصص سليمان كان من مرموزات الأوائل وأخذها المتأخرون بطريق الأسمار وأخذوا منها ظاهرها الذى لا يليق بشأن الانبياء وورد عن المعصومين (ع) تقرير ما أخذوه أسمارا نظرا الى ما رمزها الاقدمون؛ وامثال هذه ورد عنهم تكذيبها نظرا الى ظاهر ما أخذها العوام، وتصديقها نظرا الى ما رمزوا اليه فقد نسب فى مجمع البحرين انه قال: جعل الله تعالى ملك سليمان فى خاتمه فكان اذا لبسه حضرته الجن والانس والطير والوحش وأطاعوه، ويبعث الله رياحا تحمل الكرسى بجميع ما عليه من الشياطين والطير والانس والدواب والخيل؛ فتمر بها فى الهواء الى موضع يريده سليمان وكان يصلى الغداة بالشام والظهر بفارس، وكان اذا دخل الخلاء دفع خاتمه الى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ منه الخاتم ولبسه فخرت عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحش فلما خاف الشيطان ان يفطنوا به ألقى الخاتم فى البحر فبعث الله سمكة فالتقمه ثم ان سليمان خرج فى طلب الخاتم فلم يجده فهرب ومر على ساحل البحر تائبا الى الله تعالى فمر بصياد يصيد السمك فقال له: اعينك على ان تعطينى من السمك شيئا فقال: نعم فلما اصطاد دفع الى سليمان سمكة فأخذها وشق بطنها فوجد الخاتم فى بطنها، فلبسه فخرت عليه الشياطين والوحش ورجع الى مكانه فطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقتلهم وحبس بعضهم فى جوف الماء وبعضهم فى جوف الصخرة؛ فهم محبوسون الى يوم القيامة. ونقل أنه كان عسكر سليمان مائة فرسخ؛ خمسة وعشرون من الانس، وخمسة وعشرون من الجن، وخمس وعشرون من الطير، وخمسة وعشرون من الوحش. وروى انه أخرج مع سليمان من بيت المقدس ستمائة الف كرسى عن يمينه وشماله وأمر الطير فأظلتهم وأمر الريح فحملتهم حتى وردت بهم مدائن كسرى ثم رجع فبات فى فارس فقال بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا اعظم من هذا او سمعتم؟ - قالوا: لا؛ فنادى ملك من السماء: تسبيحة فى الله أعظم مما رأيتم ونسب الى الباقر (ع) انه قال: لما هلك سليمان (ع) وضع ابليس السحر ثم كتبه فى كتاب فطواه وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا لملك سليمان (ع) بن داود (ع) من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا وكذا فليفعل كذا وكذا، ثم دفنه تحت السرير ثم استبان لهم فقرأه فقال الكافرون: ما كان يغلبنا سليمان (ع) الا بهذا، وقال المؤمنون: بل هو عبد الله ونبيه فعلى ما سبق من سلطنة الشياطين وفرار سليمان كان معنى الآية كما فى تفسير الامام (ع): ان هؤلاء اليهود الملحدين والنواصب المشاركين لهم لما سمعوا من رسول الله (ص) فضائل على بن ابى طالب (ع) وشاهدوا منه (ص) ومن على (ع) المعجزات التى أظهرها الله تعالى لهم عليها نبذوا التوراة والقرآن وأفضى بعض اليهود والنصاب الى بعض وقالوا: ما محمد (ص) الا طالب الدنيا بحيل ومخاريق وسحر ونير نجات تعلمها وعلم عليا بعضها فهو يريد ان يتملك علينا فى حياته ويعقد الملك لعلى (ع) بعده، وليس ما يقول عن الله بشيء انما هو قوله ليعقد علينا وعلى ضعفاء عباد الله بالسحر والنيرنجات التى يستعملها، وكان أوفر الناس حظا من هذا السحر سليمان (ع) بن داود (ع) الذى ملك بسحره الدنيا كلها والجن والانس والشياطين ونحن اذا تعلمنا بعض ما كان يعلمه سليمان تمكنا من اظهار مثل ما يظهره محمد (ص) وعلى (ع) وادعينا لأنفسنا ما يدعيه محمد (ص) ويجعله لعلى (ع) واتبعوا ما تتلوه الشياطين اى تتبعه او تكذبه او تقرأه مستولين على مملكة سليمان (ع) او غالبين على سلطنته من السحر والنيرنجات التى لا يدرك مداركها أحد، او اتبعوا ما تفترى الشياطين على سلطنة سليمان (ع) من أنه بالسحر الذى نحن عالمون به، او اتبعوا ما تقرأه الشياطين من السحر والأوراد التى بها يقع تمزيج القوى الروحانية والطبيعية ويظهر به الخوارق التى يعجز عن مثلها البشر وتنفثه على مملكة سليمان لادامته لهم، وزعم هؤلاء اليهود والنواصب والشياطين ان سليمان كفر { وما كفر سليمان } ولا استعمل السحر كما قال: هؤلاء الكافرون { ولكن الشياطين كفروا } حال كونهم { يعلمون الناس السحر } او كفروا لتعليمهم السحر على ان يكون جوابا لسؤال مقدر.
تحقيق السحر
والسحر اسم لقول او فعل او نقش فى صفحة يؤثر فى عالم الطبع تأثيرا خارجا عن الأسباب والمعتاد وذلك التأثير يكون بسبب مزج القوى الروحانية مع القوى الطبيعية، او بتسخير القوى الروحانية بحيث تتصرف على ارادة المسخر الساحر وهذا أمر واقع فى نفس الأمر ليس محض تخييل كما قيل، وتحقيقه ان يقال: ان عالم الطبع واقع بين الملكوت السفلى والملكوت العليا كما مر، وان لاهل العالمين تصرفا باذن الله فى عالم الطبع بأنفسهم او بأسباب من قبل النفوس البشرية، وان النفوس البشرية اذا تجردت من علائقها وصفت من كدوراتها بالرياضات الشرعية او غير الشرعية وناسبت المجردات العلوية او السفلية تؤثر بالأسباب او بغير الأسباب فى أهل العالمين بتسخيرها اياهم وجذبها لهم الى عالمها وتوجيههم فى مراداتها شرعية كانت او غير شرعية، واذا كان التأثير من أهل العالم السفلى تسمى أسبابه سحرا وقد يسمى ذلك التأثير والأثر الحاصل سحرا، وذا كان من أهل العالم العلوى يسمى ذلك التأثير والاثر الحاصل به معجزة وكرامة، وقد تتقوى فى الجهة السفلية او العلوية فتؤثر بنفسها من دون حاجة الى التأثير فى الارواح ويسمى ذلك التأثير والاثر ايضا سحرا ومعجزة، فالسحر هو السبب المؤثر فى الارواح الخبيثة الذى خفى سببيته او تأثير تلك الارواح وآثارها فى عالم الطبع بحيث خفى مدركها ثم أطلق على كل علم وبيان دقيق قلما يدرك مدركه، ويطلق على العالم بذلك العلم اسم الساحر؛ ومنه
يأيها الساحر ادع لنا ربك
[الزخرف:49] على وجه فيستعمل الساحر على هذا فى المدح والذم.
Unknown page