Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
[2.75]
{ أفتطمعون } بعد ما سمعتم من أحوال أسلافهم الموافقين لهم فى الشؤن { أن يؤمنوا } اى هؤلاء الموجودون المشابهون لهم { لكم وقد كان فريق منهم } اى من اسلافهم { يسمعون كلام الله } فى اصل جبل طور حين ذهابهم مع موسى (ع) لسماع كلام الله والشهادة لبنى اسرائيل بسماع كلام الله تعالى او يسمعون كلام الله من التوراة او الانجيل او من لسان الانبياء والاولياء او المراد افتطمعون ان يؤمن هؤلاء الموجودون لكم وقد كان فريق من هؤلاء يسمعون كلام الله من الكتاب النازل عليكم، او من لسان محمد (ص) او من التوراة فى وصف محمد (ص) وعلى (ع) وطريقهما { ثم يحرفونه } التحريف جعل الشيئ فى طرف من الحرف بمعنى الطرف وتحريف الكلام جعله فى طرف من موضعه الذى وضع فيه وتحريف الكلم من بعد مواضعه بمعنى جعله فى طرف بعد وقوعه فى موضعه ويلزم تحريف الكلم تغييره؛ ولذلك قد يفسر به، وتحريف كلام الله اما بتغيير لفظه باسقاط وزيادة وتقديم وتأخير حتى يظن به غير معناه المقصود، او بتفسيره وتبيينه بغير المعنى المقصود منه حتى يشتبه على من لا خبرة له { من بعد ما عقلوه } ادركوه بعقولهم { وهم يعلمون } انهم يحرفونه اوهم العلماء ومن شأن العالم وخصوصا اذا عقل أمرا ان لا يحرفه فهم أشد عذابا من غيرهم حيث خالفوا مقتضى علمهم وتعقلهم.
[2.76]
{ وإذا لقوا الذين آمنوا } عطف على يسمعون { قالوا آمنا } اظهارا للموافقة للمؤمنين كسلمان ومقداد وغيرهما من غير مواطاة للقلب ولم يؤكدوا كلامهم لعدم اقبال قلوبهم عليه ولاظهار أن ايمانهم لا ينبغى ان يشك فيه فلا ينبغى ان يؤكد { وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا } اى قال بعضهم للآخرين { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } من صفات محمد (ص) وشريعته وموطنه ومهاجره وذلك ان قوما من اليهود الذين لم ينافقوا مع المسلمين كانوا اذا لقوا المسلمين أخبروهم بما فى التوراة من صفة محمد (ص) ودينه وكان ذلك سببا لغضب الآخرين المنافقين فقالوا فى الخلوة للمحدثين: اتحدثونهم بنعت محمد (ص) ووصيه (ع) ودينه { ليحآجوكم به عند ربكم } ليحاج المسلمون بما أخبرتموهم مما فتح الله عليكم عند ربكم فيقولوا عند ربكم انكم علمتم حقية ديننا ونبينا وما آمنتم وعاندتمونا، وقد زعم هؤلاء لحمقهم وسفاهتهم أنهم ان لم يحدثوهم بما عندهم من دلائل نبوة محمد (ص) لم يكن لهم عليهم حجة عند ربهم، واذا لم يكن لهم عليهم حجة عند ربهم لم يؤاخذهم الله، وهذا كما ترى قياس اقترانى فاسد صغراه وكبراه، لا يتفوه بمثله الا السفيه والصبى { أفلا تعقلون } ان فيما تخبرون حجة عليكم وهذا خطاب من منافقى القوم للآخرين.
[2.77]
{ أولا يعلمون } اى هؤلاء الذين قالوا لاخوانهم: اتحدثونهم { أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون } فما أظهروه مما فتح الله عليهم وما أسروه كان حجة عليهم عنده سواء أظهروه او لم يظهروه، وسواء حاجهم المؤمنون او لم يحاجوهم.
[2.78]
{ ومنهم أميون } عطف على قد كان فريق منهم يسمعون كأنه قال: افتطمعون ان يؤمنوا لكم ومنهم علماء يسمعون كلام الله ثم يحرفونه، ومنهم اميون لا يعلمون الحق من الباطل ولا يدركون من الكتاب والشريعة ابتداء الا الامانى التى يحرف الكتاب علماؤهم بعد تعقل المقصود اليها يعنى ان فريقا منهم يعرفون المقصود من الكتاب لكنهم يحرفونه الى ما اقتضته أنفسهم وفريقا منهم لا يعرفون من الكتاب الا ما يوافق أهواءهم، والامى هو المنسوب الى الام بمعنى انه لم يزد على نسبته الى الام شيئا من الكمالات الكسبية من القراءة والكتابة، وخصص فى العرف بمن لا يقرأ ولا يكتب والمراد به هاهنا من لم يزدد على مقام التابعية للام وهو مقام الصباوة واتباع الشهوات والامانى شيئا من الانسانية التى اقتضت التميز بين الحق والباطل واختيار الحق ورفض الباطل ولذا فسره بقوله { لا يعلمون الكتاب إلا أماني } والمراد بالكتاب مطلق أحكام النبوة، او مطلق الكتاب السماوى، او شريعة موسى (ع)، او التوراة، او أحكام شريعة محمد (ص)، او القرآن. والامانى جمع الامنية وهى ما يتمنى الانسان سواء كان ممكنا او محالا والمعنى افتطمعون ان يؤمنوا لكم ومنهم اميون متبعون للأهوية والآمال غير متصفين بالانسانية ومقتضياتها من التميز بين الحق والباطل والادراك للجهة الحقانية من الاشياء والاحكام والكتب، ومنزلون للاحكام والكتب على ما يوافق أهويتهم وأمانيهم؛ مثلا لا يعلمون من الصلوة الا ما يوافق آمالهم من حفظ الصحة ورفع المرض وكثرة المال والجاه وحفظهما وغير ذلك من الامانى الكثيرة؛ فان أمانى النفوس غير واقفة على حد، او مقدرون ان ظهور الاحكام والكتب من الانبياء ظهور آمالهم ووصولهم الى أمانيهم من التبسط فى البلاد والتسلط على العباد والجاه والمال غير مدركين منها ظهور الامر الالهى وبروز عبودية الانبياء ولا يدركون شيئا من الحكم والمصالح المندرجة فيها، فالتقدير على المعنى الاول لا يعلمون الكتاب الا أمانى لهم، وعلى المعنى الثانى لا يعلمون الكتاب الا أمانى للانبياء ويحتمل ان يكون المعنى لا يدركون الكتاب الا أمانى رؤسائهم التى يحرفون الكلم اليها ويبينون بها كما مضى فى بيان الامى، ويمكن ان يراد معنى اعم منها اى لا يعلمون الكتاب الا أمانى للانبياء ولهم ولرؤسائهم، ومن لا يدرك من الحق الا الباطل لا يذعن للحق بما هو حق فلا يؤمن هؤلاء علماؤهم وجهالهم لكم من حيث انتم على الحق فعلم من هذا البيان ان الاستثناء متصل مفرغ وليس منقطعا كما ظنه بعض العامة وقلده على ذلك بعض الخاصة رضوان الله عليهم، ولما توهم من النفى والاثبات ثبوت العلم متعلقا بالامانى لهم حصر تعالى ادراكهم حصر افراد فى الظن فقال تعالى: { وإن هم إلا يظنون } ولا علم لهم اصلا ولعلك تفطنت بوجه حصر ادراكهم فى الظن مما أسلفنا من ان ادراك النفوس لجواز تخلف المدرك عن الادراك شأنه شأن الظن فقط.
نقل انه قال رجل للصادق (ع): فاذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب الا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم الى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوام اليهود الاكعوا منا يقلدون علماءهم فان لم يجز لاولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم؟ - فقال (ع): بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة، اما من حيث استووا فان الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما قد ذم عوامهم، واما من حيث افترقوا فلا، قال: بين لى ذلك يا ابن رسول الله (ص)، قال (ع): ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصريح وبأكل الحرام والرشوة، وبتغيير الاحكام عن وجهها بالشفاعات والعنايات والمصانعات، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذى يفارقون به أديانهم، وأنهم اذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم، وعرفوهم يقارفون المحرمات واضطروا بمعارف قلوبهم الى ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز ان يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا انه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه فى حكايته، ولا العمل بما يؤديه اليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر أنفسهم فى أمر رسول الله (ص) اذ كانت دلائله أوضح من ان تخفى وأشهر من ان لا تظهر لهم، وكذلك عوام أمتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، واهلاك من يتعصبون عليه وان كان لاصلاح أمره مستحقا، والرفق والبر والاحسان على من تعصبوا له وان كان للاذلال والاهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم، فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه؛ وذلك لا يكون الا فى بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فان من يركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة لهم.
[2.79]
Unknown page