236

Tafsir Bayan Sacada

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

Genres

، يعنى ان الاحسان يصدق اذا كان العمل بمشاهدة الله يعنى بمشاهدة امره حتى يكون المصدر هو امره، وتقديم العمل الصالح فى المعلول لكون العنوان الاعمال وجزاءها، وتأخير الاحسان الذى هو بمعناه فى العلة لتقدم الايمان على العمل الصالح ذاتا { واتبع ملة إبراهيم حنيفا } فيه اشارة الى ان المراد بالمحسن العامل بالاعمال القلبية الولوية المخلية للنفس عن الرذائل والهواجس والوساوس المحلية لها بالخصائل والالهامات والتحديثات والمشاهدات والمعاينات، والمراد بالتابع لملة ابراهيم (ع) هو العامل بالاعمال القالبية والاحكام النبوية من المفروضات والمسنونات وترك المنهيات، فان من تاب على يد على (ع) وتلقى منه آداب السلوك واحكام القلب لا بد له من العمل بأحكام القالب فانها كالقشر لاحكام القلب فما لم يحفظ القشر لم يحفظ اللب، وحنيفا حال عن التابع او الملة او ابراهيم (ع) وعدم مراعات التأنيث اما لتشبيه الحنيف بالفعيل بمعنى المفعول، او لكسب الملة التذكير من المضاف اليه لصحة حذفه، والحنيف بمعنى الخالص او المائل عن الاديان الاخر، او الراغب الى الاسلام الثابت عليه { واتخذ الله إبراهيم خليلا } عطف مشعر بالتعليل او حال بتقدير قد او بدون التقدير على خلاف فيه، فى الخبر عن الصادقين (ع) ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل ان يتخذه نبيا، وان الله اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا، وان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، وان الله اتخذه خليلا قبل ان يتخذه اماما، وقد اشار بعد الاشارة الى انتهاء العبودية الى المراتب الاربع الكلية التى هى امهات مراتب الخلافة الآلهية، وتحت كل مرتبة منها مراتب جزئية الى غير النهاية، وشرحها على سبيل الاجمال بحيث لا يشمئز منه طباع الرجال ولا يصير سببا للشين والجدال ان يقال: ان الانسان من بدو خلقته الى آخر مراتب وجوده التى لا نهاية لها يطرو عليه الاحوال المختلفة ويتشأن بشؤن متضادة كأنه كل يوم هو فى شأن: فاول خلقته نطفة فى قرار مكين، ثم يتدرج فى اطوار الجمادية الى ان وصل الى مرتبة النبات متدرجا فيه، الى ان ينفخ فيه الروح الحيوانية متدرجا الى ان ينفخ فيه الروح الدماغية، ثم بعد استحكام اعضائه وبشرته بحيث يستعد لمباشرة الهواء يتولد وفيه المدارك الحيوانية الظاهرة بالفعل متدرجا الى ان صار مداركه الباطنة بالفعل وفيه العقل بالقوة ويسمى العقل الهيولانى، وغذاءه فى الرحم دم منضوج يصلح لان يكون غذاءه، وبعد التولد ايضا دم مستحيل الى اللبن ليكون موافقا لبدنه، وبعد استحكام اعضائه وشدة عظمه وغلظه بحيث لا يستضر بغير اللبن يفطم من اللبن ويغتذى بلذائذ الاغذية، ولا يعرف الا ما يشتهيه الى ان يصل الى او ان المراهقة ويميز بين الخير والشر فى الجملة متدرجا فيه الى زمان الرشد واستعداد التميز بين الخير والشر الباطنين، وحينئذ يصير عقله بالفعل ويستعد لان يدرك الاوامر والنواهى التكليفية.

فان وفقه الله لطلب من يأمره وينهاه من الله وطلب بصدق يصل بفضله تعالى لا محالة الى رسول من الله او خليفة الرسول ويقبل رسالته او خلافته، فاذا قبله علمه آداب الوصل والمبايعة والمعاهدة وبايع وعاهد وبعد البيعة والميثاق لقنه أحكام القالب وحذره من الانس بالنفس الاماره وينهاه من الاهوية الكاسدة وأوحشه منها، فاذا توحش وفطم عن لبنها طلب من يأنس به ويغذو من غذائه، فاذا طلب بصدق وصل لا محالة الى رسول من الله او خليفته ثانيا وقبل ولايته فاذا قبل ولايته وتسلطه الباطنى علمه آداب الوصل والمبايعة الخاصة والميثاق الخاص وبايعه وعاهده بالبيعة الولوية الباطنة القلبية الخاصة ولقنه احكام القلب وآنسه بابيه العقل بعد فطمه من امه النفس واطعمه من غذاء ابيه؛ والمبايعة الاولى تسمى اسلاما والثانية تسمى ايمانا. ولا يمكن للمسلم ان يسلك الى الله ولا الى الطريق من حيث اسلامه، فان المسلم قبل اسلامه بمنزلة من ضل فى بيداء عميقة لا يظهر فيها آثار الطريق وتكون كثيرة السباع وفيها قطاع الطريق وهو غافل عن ضلالته وعن سباعها ويظن انه فى الطريق او فى موطنه ومحل قراره آمنا من كل ما يوذيه، والرسول او خليفته بمنزلة من ينبهه عن غفلته ويخبره بضلالته وبكثرة السباع والموذيات فيتوحش ويطلب طريقا ينجيه ودليلا يهديه فيسلم قوله ويلتمس منه الدلالة على آثار الطريق فيقول: انما انا منذر عن المخاوف ومنبه عن الغفلة وللطريق هاد فيبين علامة من هو هاد ويقول: من كنت مولاه فعلى (ع) مولاه مثلا، ولذا كان شأن النبى (ص) منحصرا فى الانذار والهداية موكولة الى من عينه لاولى الابصار

إنمآ أنت منذر ولكل قوم هاد

[الرعد:7] فاذا عين النبى (ص) او خليفته من كان يدله على الطريق يتسرع لا محالة اليه ويلتمس منه آثار الطريق فيأخذ منه المواثيق الاكيدة بالمبايعة والمعاقدة ثم يعلمه آثار الطريق وهو الايمان، فاذا امن وعلم آثار الطريق فان تسرع بآثاره وعلائمه يكن حينئذ سالكا الى الطريق خائفا من السباع والموذيات، ومن عدم الوصول فيتعب نفسه فى السير والحركة اليه وكثيرا ما يعارضه الغيلان والسباع وقطاع الطريق والموذيات فيدافع ويدفع عن نفسه بالسلاح الذى أعطاه المنذر اولا والهادى ثانيا فينجو منهم بقوة السلاح ان شاء الله، فيصل الى الطريق الذى هو على (ع) ويحصل له الحضور عنده ويسمى عندهم تلك المرتبة بالفكر والحضور، ويحصل له الراحة بعد التعب والسرور بعد الحزن والبشارة بعد الخوف واللذة بعد الالم، ويصير سالكا بعد ذلك الى الله. فانه بعد الانذار متحير متوحش خائف، وبعد الدلالة على الطريق سالك الى الطريق خائف راج متعب نفسه، وبعد الوصول الى الطريق الموصل الى الله سالك الى الله راج خائف، لكن خوفه ليس عن المهلك والموذى ولا خوف النفس الامارة المسمى بالخوف ولا خوف النفس العالمة بالله المسمى بالخشيه بل خوف القلب المسمى بالهيبة، والسالك فى هذه الحالة قد يفنى عن نسبة الافعال الى نفسه ويرى الافعال من على (ع) وقد يشارك عليا (ع) فى الافعال وقد يتحد معه فى ذلك ويسمى فناؤه عن الافعال بالفناء الفعلى، فاذا سار وسلك وارتفع درجة حتى لا ينسب الصفات الى نفسه بل يرى الصفات ايضا من على (ع) صارت الاثنينية ضعيفة والمعاينة قوية بحيث كاد ان لا يرى نفسه ويسمى بالفناء عن الصفات، لكن له رجاء وخوف بقدر شعوره بنفسه وان كان ذاهلا عن الشعور بالخوف والرجاء وخوفه يسمى سطوة، فاذا سار معه الى ان لا يرى نفسه ويغيب فى حضوره عنده عن نفسه صارت الاثنينية مرتفعة ولم يكن له حينئذ نفسية حتى يكون له رجاء وخوف، ويصير حينئذ مصداقا لقوله (ع): اذا وصلوا اتصلوا فلا يكون فرق بينه وبين حبييه، ويسمى بالفناء الذاتى؛ ويسمى الفناءات بالمحو والمحق والطمس وهو قبل الاسلام يسمى ضالا تائها وبعده يسمى مسلما وطالبا. فان لم يطلب من يهديه الى الطريق ووقف خصوصا بعد الانقطاع عمن أسلم على يده يسمى ايضا ضالا ولذلك ورد: من أصبح من هذه الامة لا امام له من الله تعالى اصبح ضالا تائها، وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق.

وبعد الوصول الى امامه وولى امره والمبايعة معه واعطاء الميثاق له يسمى سالكا وسائرا الى الطريق لا الى الله بلا واسطة، وان كان سيره الى الطريق سيرا الى الله ويسمى سيره هذا سفرا من الخلق الى الحق، وبعد وصوله الى الطريق يصير سالكا الى الله ويسمى سيره هذا سفرا من الحق بالحق الى الحق، فاذا وصل وفنى عن افعاله وصفاته وسار بالوصال فى فناء ذاته يسمى سائرا فى الله ويسمى سيره هذا سفرا بالحق فى الحق، وبهذا السير يتم له العبودية والفناء ولا يبقى منه ذات ولا اثر ويصير وصاله اتصالا وينتقل بعد ذلك عبوديته الى الربوبية وفناؤه الى البقاء. وما قالوا: من ان الفقر اذا تم فهو الله، اشارة الى هذا فانه بعد صحوه يصير موجودا بوجود الله وباقيا ببقاء الله وحاكما بحكم الله وخليفة لله، لانه اذا صار عبدا لله وعلم الله صدق عبوديته رده الى ما عاد منه ووكله بأمور بيته الذى هو قلبه وشرفه بشرافة خلافة البيت فإذا وجد في إصلاح البيت بصيرا أمينا كاملا وكله بأمور مملكته وشرفه بشرافة خلافة المملكة ويسمى هذا العود بعد الاوب سفرا من الحق الى الخلق بالحق، فاذا وجده فى اصلاح المملكة وتعمير بلادها وتكثير عبادها بصيرا امينا بالغا دعاه ثانيا الى مقام الانس وآنسه بنفسه، لكن هذا الحضور غير الحضور الاول؛ فان الاول دهشة وحيرة وفقر وفاقة وهذا انس وحشمة وغناء لكن بانس الله وحشمته وغنائه. فاذا آنسه وارتضاه فوض اليه جميع اموره من عباده وجنوده وسجنه وسجينه واضيافه ومضيفه واعطائه ومنعه فمن شاء يسجنه ومن شاء يضفه، ومن شاء يعطه ومن شاء يمنعه فله التسلط والتصرف فيمن شاء كيف شاء ويسمى هذا فى الحضور الاول والفناء التام عبدا، وفى حال اصلاح البيت نبيا، وفى حال اصلاح المملكة رسولا، وفى الحضور الثانى خليلا، وفى حال التفويض اماما؛ وهذه الامامة غير ما يطلق على ائمة الجور، وغير ما يطلق على ائمة الجماعة، وغير ما يطلق على الاولياء الجزئية بل هى مرتبة لا يتصور فوقها مرتبة. ولا يلزم مما ذكرنا ان يكون كل من بايع النبى (ص) بالبيعة العامة وصل الى مقام البيعة الخاصة كاكثر العامة، ولا كل من بايع البيعة الخاصة وصل الى الطريق كاكثر الشيعة، ولا كل من وصل الى الطريق وصل الى الحق، ولا كل من وصل الى الحق صار عبدا، ولا كل من صار عبدا صار نبيا، ولا كل نبى رسولا، ولا كل رسول خليلا، ولا كل خليل اماما؛ ولما كانت الامامة بهذا المعنى خلافة مطلقة كلية ونهاية لجميع المراتب واستشعر الخليل (ع) بأنها آخر مراتب الكمالات الانسانية صار مبتهجا ومن ابتهاجه قال: ومن ذريتى.

[4.126]

{ ولله ما في السماوات وما في الأرض } اللام للاختصاص وقد يستعمل باعتبار المبدأ وقد يستعمل باعتبار الغاية وقد يستعمل باعتبار المملوكية كما يقال: هذا البيت لفلان يعنى بانيه ومصدر بنائه فلان لا غير، او هذا البيت لسكنى الشتاء او لسكنى الصيف باعتبار غايته، او هذا البيت لفلان يعنى فلان مالكه من غير شراكة الغير، والمراد فى هذا الموضع وامثاله معنى عام يشمل المعانى الثلاثة، يعنى لله ما فيهما بدوا وغاية وملكا وهو عطف او حال فيه اشعار بالتعليل وكذا قوله تعالى { وكان الله بكل شيء محيطا } كأنه قال: لا احد احسن حالا ممن أسلم وجهه لله واتبع خليله، لان كل ما فى السماوات والارض مملوك له وله العلم بكل شيء فيعلم من اسلم وجهه له ويعلم مرتبته وقدر استحقاقه فلا يمسك عنه ما هو مستحق له.

[4.127-128]

{ ويستفتونك في النسآء } اى فى حكم نسائهم من الالفة والفرقة بقرينة وان امراة خافت من بعلها (الآية) او فى حكم مطلق النساء من الارث بقرينة { في يتامى النسآء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن } او فى حكم النساء بحسب الارث من الازواج كما مضى حكمه، او من الارحام كما مضى ايضا، او بحسب المعاشرة كما يأتى { قل الله يفتيكم فيهن } وفى نسبة الافتاء الى الله فى الجواب اشارة الى ان ما يقوله (ص) ليس منه برأى واجتهاد وظن وتخمين كما سيحدثونه، بل هو فتيا الله على لسانه اما لفنائه من نفسه او لوحى منه { وما يتلى عليكم } عطف على الله او على المستتر فى يفتيكم وسوغه الفصل، او هو تقدير فعل هو يبين او ما نافية والجملة معطوفة على جملة الله يفتيكم او حالية بتقدير مبتدء والمعنى ما يتلى افتاؤه بعد عليكم { في الكتاب في يتامى النسآء } متعلق بيتلى او بدل من قوله فيهن { اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن } وبذكر ما كتب لهن اشار الى ان لهن ميراثا مفروضا وقد بين فى اول السورة ما لهن بحسب الارث من الازواج ومن الارحام كانوا فى الجاهلية لا يورثون الصغير ولا المرأة ويقولون: الارث لمن تمكن عن المقاتلة والمدافعة عن الحريم وحيازة الغنيمة { وترغبون أن تنكحوهن } اذا لم يكن ذوات جمال ولا يكون لهن اموال ايضا فترغبون عنهن لعدم المال والجمال { والمستضعفين } عطف على يتامى النساء { من الولدان } جمع الوليد وقد مضى حكمهم بحسب الارث والحفظ والمال جميعا فى اول السورة { و } يفتيكم ايضا فى { أن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير } عطف على يستفتونك او على الله يفتيكم على ان يكون من جملة مقول القول يعنى قل لهم ما تفعلوا من خير فى ارث النساء وقسامتهن وفى حفظ اليتامى واموالهم لا يضع عملكم { فإن الله كان به عليما وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا } سوء عشرة معها ومنعها من حقوقها لما قدم ذكر خوف نشوز المرأة ذكر ههنا خوف نشوز المرء { أو إعراضا } تجافيا وعدم توجه اليها مع اعطائها حقوقها من النفقة والكسوة والقسامة فان النشوز عدم القيام بما يجب عليه والاعراض لما ذكر فى مقابله يكون غيره { فلا جناح عليهمآ أن يصلحا بينهما صلحا } قرئ يصلحا من باب الافعال وحينئذ يجوز ان يكون صلحا مفعولا به اى يوقعا صلحا وان يكون بينهما مجردا عن الظرفية مفعولا به، وان يكون المفعول به محذوفا وقرئ يصالحا ويصلحا بتشديد الصاد من تصالح واصطلح والمقصود نفى الجناح من ان يصطلحا على اعطاء المرأة شيئا من مهرها او غيره، او على تحمل خدمة له لاستمالته، او على اقساط قسامتها وسائر حقوقها، فعن الصادق (ع) هى المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: اريد ان اطلقك فتقول له: لا تفعل انى اكره ان يشمت بى ولكن انظر فى ليلتى فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شيء فهو لك ودعنى على حالتى وهو قوله تعالى: فلا جناح عليهما ان يصلحا ولا اختصاص له باسقاط المرأة حقها بلا عوض، فيجوز ان يجعل بدل اسقاط الحق عوضا { والصلح خير } من الفرقة والطلاق وسوء العشرة { وأحضرت الأنفس الشح } لانها مطبوعة على جذب خيرها وعدم اخراجه من ايديها كأنها اجبرت على الحضور عند الشح فكأن نفوس الرجال لا يمكنها امساك النساء مع كراهتهن ولا القيام بحقوقهن ولا نفوس النساء يمكنها اسقاط حقها وترك حظها والجملة الاولى للترغيب على الصلح والثانية لتمهيد العذر لمماكسة الطرفين عن الصلح { وإن تحسنوا } فى العشرة { وتتقوا } عن نقص حقوقهن او عن الفرقة وفتح باب الشماتة لهن وتمسكوهن مع كراهتهن كان الله يجزيكم بالاحسان الاحسان وبالتقوى الغفران { فإن الله كان بما تعملون خبيرا } فاقيم السبب مقام الجزاء.

[4.129]

Unknown page