Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Genres
{ يأيها الذين آمنوا } اى اسلموا بالبيعة العامة النبوية وقبول الدعوة الظاهرة { إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب } وهم الذين يصدونكم عن سبيل الله ويبغونها عوجا بالاستماع اليهم وقبول مفترياتهم { يردوكم بعد إيمانكم } عن ايمانكم وعن السبيل الموصل الى الله { كافرين } بعد تقريع اهل الكتاب على حيلتهم وخدعتهم للمؤمنين نبه المؤمنين حتى لا يغتروا بهم وباقوالهم المموهة قيل: نزلت فى نفر من الاوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون فمر بهم واحد من كبار اليهود فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شابا من اليهود ان يجلس اليهم ويذكرهم ما بينهم من القتال وينشد لهم بعض ما قيل فيه ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا: السلاح السلاح واجتمع من القبيلتين خلق عظيم فتوجه اليهم رسول الله (ص) واصحابه فقال:
" اتدعون الجاهلية وانا بين اظهركم بعد اذ أكرمكم الله بالاسلام وقطع به عنكم امر الجاهلية والف بين قلوبكم "
، فعلموا انها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فالقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا.
[3.101]
{ وكيف تكفرون } لا ينبغى لكم ذلك { وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله } يعنى ان الكفر فى جميع الاحوال قبيح خصوصا فى تلك الحالة فان تلاوة الآيات ووجود الرسول كليهما يميتان الكفر ويحييان فطرة الايمان ولا يكفر فى مثل تلك الحال الا من بلغ فى الشقاوة منتهاها { ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم } ومن اهتدى الى الصراط المستقيم الموصل له الى مطلوبه الذى لا مطلوب له سواه لا يرجع منه البتة؛ وهذا وجه آخر لاستغراب الرجوع الى الكفر يعنى انكم اعتصمتم بالله بالبيعة مع رسوله (ص) فان البيعة تورث التمسك بمن قبل البيعة والتمسك بالرسول (ص) تمسك بالله لكونه مظهرا تاما له، ومن اعتصم بالرسول (ص) يهتد الى الصراط المستقيم الموصل الى الله لان الرسول (ص) هو الصراط المستقيم ومن اهتدى لا يرجع الا اذا كان بالغا فى العمى غايته.
[3.102]
{ يأيها الذين آمنوا } كرر النداء لتشريفهم وتهييجهم على الثبات على الايمان والارتداع عن الكفر ولان يجبر كلفة التكليف بالتقوى بلذة النداء { اتقوا الله } اتقوا سخطه { حق تقاته } قد مضى تحقيق معنى التقوى ومراتبها فى اول سورة البقرة وحق التقوى على الاطلاق ان لا يبقى من المتقى عين ولا اثر بطى جميع مراتب التقوى والانتهاء الى التقوى عن ذاته وعن تقواه فى جنب ذات الله ولما كان التقوى بهذا المعنى لا تتيسر الا لقليل قالوا: ان هذه الآية منسوخة بقوله تعالى فى سورة التغابن
فاتقوا الله ما استطعتم
[التغابن:16] لكن الحق ان حق التقوى تختلف بحسب اختلاف الاشخاص وبحسب اختلاف مراتب الشخص الواحد فان حق التقوى بالنسبة الى اصحاب النفوس الامارة وبالنسبة الى من لم يدخل بعد فى دين ولم يبايع البيعة العامة مع نبى او خليفته ان يحتاط فى عمله ويطلب من يأخذ منه دينه ويترك ما ينافى طلبه وحق التقوى بالنسبة الى من دخل فى دين ان يمتثل ما أمر به، ويترك ما نهى عنه، ويطلب من يدله على حق دينه وروح اعماله، ويترك ما ينافى هذا الطلب، وحق التقوى بالنسبة الى من دخل فى الايمان ودخل بذر الايمان فى قلبه ان يمتثل ما امر به وينتهى عما نهى عنه بحسب ايمانه، ومراتب التقوى للداخل فى الايمان كثيرة بحسب مراتب المؤمنين ودرجاتهم كما سبق مفصلا، وهكذا الحال فى التقوى بحسب مراتب الشخص الواحد من بشريته الى فنائه فان حق التقوى بحسب البشرية غيرها بحسب الصدر والقلب والروح وهكذا؛ فالآية على هذا امر للجميع بالاتيان بحق التقوى وكانت موافقة لقوله تعالى:
فاتقوا الله ما استطعتم
Unknown page