120

Tafsir Bayan Sacada

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

Genres

والثالثة - ان الوجوب بالذات يقتضى الاحاطة بجميع انحاء الوجودات ومراتبها بحيث لو كان شيء منها مغايرا للواجب وخارجا منه تلك الحقيقة لزم تحدد الحقيقة الواجبة بذلك الشيء ولزم من التحدد الامكان فلم يكن حقيقة الوجود حقيقة الوجود بل نحوا من انحائها، ولا الواجب واجبا بل كان ممكنا.

والرابعة - أن تلك الحقيقة كما تقتضى الوجوب بذاتها تقتضى الاصالة فى التحقق وفى منشأية الآثار لاقتضاء الوجوب الاصالة، واقتضاء الاصالة منشأية الآثار وكون غيرها من التعينات اعتباريا.

والخامسة - ان مراتب الوجود وانحاءه بحكم المقدمة الثالثة عبارة عن تلك الحقيقة متحددة بحدود وتعينات وبتلك الحدود وقع التميز بينها وليست تلك الحقيقة جنسا لها ولا نوعا.

والسادسة - أن الآثار الصادرة من انحاء تلك الحقيقة صادرة من تلك الحقيقة مقيدة بحدود تلك الانحاء بحيث يكون التقييد داخلا والقيود خارجة وليست صادرة من تلك الحقيقة مطلقة؛ والا لاتحدت ولا من الحدود لأنها اعدام والعدم لا حكم له الا بتبعية الوجود فلا منشأية له لا للوجودى ولا للعدمى ولا من المجموع المركب من تلك الحقيقة والحدود، لان الحدود كما لا تكون منشأ للآثار منفردة لا تكون منشأ منضمة لان اعتبار الانضمام لا يفيدها شيئا لم يكن لها قبل ذلك وما يقال: ان عدم العلة علة لعدم المعلول كلام على سبيل المشاكلة والا فالعدم ليس معلولا ومجعولا حتى يحتاج الى علة وما يتراءى من ان حدود الآثار واعدامها المنتزعة منها ناشئة من حدود المؤثرات واعدامها المنتزعة منها وقد تفوه به بعض الفلاسفة خال عن التحصيل لان حدود الآثار من جملة لوازم وجوداتها وليست من حيث هى مجعولة ومن حيث الجهات المنتزعة هى منها فهى مجعولة بمجعولية وجود الآثار وبتبعيتها لا بجعل آخر حتى تستدعى علة اخرى، واذا عرفت ذلك فاعلم ان افعال العباد الاختيارية صادرة عنهم بعد تصورها والتصديق بغاياتها النافعة لهم، وبعد الميل والعزم والارادة والقدرة منهم وهذا معنى كون الفعل اختياريا واما كون الاختيار بالاختيار والارادة بالارادة فليس معتبرا فى كون الفعل اختياريا والفاعل مختارا، لكن نقول على ما سبق من المقدمات افعال العباد آثار حقيقة الوجود المحدودة بحدود العباد من غير اعتبار الحدود فيها، والعباد عبارة عن تلك الحقيقة معتبرا معها تلك الحدود فهى منسوبة الى حقيقة الوجود اولا وبالذات والى العباد ثانيا وبالعرض من غير تعدد فى النسبة بالذات انما التعدد والتغاير الاعتبارى فى المنسوب اليه وليست الافعال مفوضة الى العباد كما قالته المعتزلة المدعوة بمجوس هذه الأمة لان التفويض يستدعى استقلالا بالفاعلية فى المفوض اليه وقد علمت ان اسم العبد يطلق على حقيقة الوجود باعتبار انضمام حد عدمى اليها غير موجود فضلا عن استقلاله بالوجود والفاعلية لكن عامة الناس وان لم يكونوا مقرين بالتفويض لسانا قائلون به حالا مشاركون للمعتزلة فعلا فان المحجوبين عن الوحدة المبتلين بالكثرة المشاهدين للكثرات المتباينة المتضادة لا يمكنهم تصور مبدء واحد لافعال العباد وآثار غيرهم فلا يدركون الا استقلال العباد بافعالهم بل لا يتصورون تفويضا ومفوضا فى الافعال وهذا من عمدة اغلاط الحواس والخيال ولكون الخيال مخطئا فى ادراكه كان الاولياء العظام يأمرون العباد بالذكر اللسانى او القلبى المؤدى الى الفكر المخصوص المخرج عن دار الكثرة والغيبة والخطاء الى دار الوحدة والشهود والصواب، وليس العباد مجبورين فى الفعال لان الجبر يقتضى جابرا مغايرا للمجبور ومجبورا مستقلا فى الوجود مريدا مختارا مسلوبا عنه الاختيار متحركا على حسب ارادة الجابر المخالفة لارادة المجبور وليس هناك جابر مغاير للمجبور ولا مجبور مستقل فى الوجود ولا فى الفعال ولا سلب الارادة المجبور ولا ارادة مستقلة مغايرة لارادة الجابر فالجبر يقتضى مفاسد التفويض مع شيء آخر من المفاسد ولذا قيل (مولوى):

در خرد جبر ازقدر رسوا تراست

زانكه جبرى حس خود را منكراست

علاوة على نسبة الاستقلال الى العباد وليس الافعال بتسخير الله ايضا لما ذكر فانه لا فرق بين التسخير والجبر الا بسلب الارادة وعدمه فان المسخر ارادته باقية تابعة لارادة المسخر بخلاف المجبور فان ارادته تكون مسلوبة وحركته تكون بارادة الجابر المخالفة لارادة المجبور بل الامر أدق وألطف من الجبر والتسخير ومعنى الامر بين الامرين أن نسبة الافعال الى العباد امر اجل واعظم من ان يكون بطريق التفويض، وادق واخفى من ان يكون بطريق الجبر والتسخير، واعلى واسنى من ان يكون بطريق التشريك فى الفاعل كما يظن، واشرف من ان يكون بطريق توسط العباد بين الفعل والفاعل كتوسط الآلات بين الافعال والفاعلين كما يترائى بل الفاعل حقيقة الوجود الظاهرة بحدود العباد وتوجه اللوم والتعزير والحد والامر والنهى ان كان ذلك مما يعاتب به العوام فلتخليص الانسانية اى تلك الحقيقة عن الحدود المخالفة لحدود الانسانية، وان كان مما يخاطب به الانبياء (ع) والاولياء (ع) فلتخليص الانسانية عن الحدود جملة وايصالها الى الظهور من غير حد، ومن هذا يعلم ان اللوم واجراء الحدود والامر والنهى لا يجوز الا ممن له شأنية التخليص بان يكون ممن خلص نفسه اولا من حد يريد تخليص الغير منه وأبصر ذلك الحد وقوى على التخليص ولوفاته شيء من هذه لم يجز منه ذلك، ولما لم يكن الانسان يدرك بنفسه ان له هذا المقام احتاج الى اجازة البصير المحيط به على ان الاجازة بها ينعقد قلب المأمور على أمر الآمر ولولا الاجازة لا ينعقد، ولما كان الافعال منسوبة الى الله تعالى اولا وبالذات والى انحاء الوجودات ثانيا وبالعرض صح سلب أفعال العباد عنهم واسنادها الى الله مثل قوله تعالى:

فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم

[الأنفال: 17]، حيث نفى القتل الصادر منهم عنهم وأثبته لله بطريق حصر القلب او الافراد، وهكذا قوله تعالى:

وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

Unknown page