140

Tafsir Bahr Muhit

البحر المحيط في التفسير

Investigator

صدقي محمد جميل

Publisher

دار الفكر

Edition Number

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

مِنَ الْإِيمَانِ وَالظُّلُمَاتِ بِضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمُ الَّذِي أَبَطَنُوهُ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَرْقِ بِمَا عَلَاهُمْ مِنْ خَيْرِ الْإِسْلَامِ وَعَلَتْهُمْ مِنْ بَرَكَتِهِ، وَاهْتِدَائِهِمْ بِهِ إِلَى مَنَافِعِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمْنِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَاعِقِ، بِمَا اقْتَضَاهُ نِفَاقُهُمْ وَمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْهَلَاكِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَيْضًا أَقْوَالًا كُلَّهَا تَرْجِعُ إِلَى التَّمْثِيلِ التَّرْكِيبِيِّ: الْأَوَّلُ: شَبَّهَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ بِالَّذِينَ اجْتَمَعَتْ لَهُمْ ظُلْمَةُ السَّحَابِ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدُّ لِحَيْرَتِهِمْ، إِذْ لَا يَرَوْنَ طَرِيقًا، وَلَا مَنْ أَضَاءَ لَهُ الْبَرْقَ ثُمَّ ذَهَبَ كَانَتِ الظُّلْمَةُ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنْهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَرْقٌ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَطَرَ، وَإِنْ كَانَ نَافِعًا إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَارَ النَّفْعُ بِهِ زَائِلًا، كَذَلِكَ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ نَافِعٌ لِلْمُنَافِقِ لَوْ وَافَقَهُ الْبَاطِنُ، وَأَمَّا مَعَ عدم الموافقة فهو ضر. الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَثَّلَ حَالَ الْمُنَافِقِينَ فِي ظَنِّهِمْ أَنَّ مَا أَظْهَرُوهُ نَافِعُهُمْ وَلَيْسَ بِنَافِعِهِمْ بِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمُورُ مَعَ الصَّوَاعِقِ، فَإِنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُخَلِّصَ لَهُ مِنْهَا جَعْلُ أَصَابِعِهِ فِي آذَانِهِ وَهُوَ لَا يُنْجِيهِ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ مِنْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَثَّلَ لِتَأَخُّرِ الْمُنَافِقِ عَنِ الْجِهَادِ فِرَارًا مِنَ الْمَوْتِ بِمَنْ أَرَادَ دَفْعَ هَذِهِ الْأُمُورِ بِجَعْلِ أَصَابِعِهِمْ فِي آذَانِهِمْ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ مَثَّلَ لعدم إخلاص الْمُنَافِقِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِالْجَاعِلِينَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ، فإنهم وإن تخلصوا عن الْمَوْتِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ مِنْ وَرَائِهِمْ. [سورة البقرة (٢): آية ٢٠] يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يَكَادُ: مُضَارِعُ كَادَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ، وَوَزْنُهَا فَعَلَ يَفْعَلُ، نَحْوَ خَافَ يَخَافُ، مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: فَعَلَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَفَعُلَ، وَلِذَلِكَ إِذَا اتَّصَلَ بِهَا ضَمِيرُ الرَّفْعِ لِمُتَكَلِّمٍ أَوْ مُخَاطَبٍ أَوْ نُونِ إِنَاثٍ ضَمُّوا الْكَافَ فَقَالُوا: كُدْتُ، وَكُدْتَ، وَكُدْنَ، وَسُمِعَ نَقْلُ كَسْرِ الْوَاوِ إِلَى الْكَافِ، مَعَ مَا إِسْنَادِهِ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَكِيدَتْ ضِبَاعُ الْقُفِّ يَأْكُلْنَ جُثَّتِي ... وَكِيدَ خَرَاشٌ عِنْدَ ذَلِكَ يُيْتِمُ يُرِيدُ، وَكَادَتْ، وَكَادَ، وَلَيْسَ، مِنْ أَفْعَالِ الْمُقَارَبَةِ مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا مضارع إِلَّا: كَادَ، وَأَوْشَكَ. وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ هِيَ مِنْ بَابِ كَانَ، تَرْفَعُ الِاسْمَ وَتَنْصِبُ الْخَبَرَ، إِلَّا أَنَّ خَبَرَهَا لَا يَكُونُ إِلَّا مُضَارِعًا، وَلَهَا بَابٌ مَعْقُودٌ فِي النَّحْوِ، وَهِيَ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ فِعْلًا ذَكَرَهَا أَبُو

1 / 143