واحتج الجمهور: من المسلمين على جواز النسخ ووقوعه، أن الدلائل دلت على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته لا تصح إلا مع القول بنسخ شرع من قبله، فوجب القطع بالنسخ.
وأما الوقوع فقد حصل النسخ في الشرائع السابقة، وفي نفس شريعة اليهود، فإنه جاء في التوراة أن آدم عليه السلام أمر بتزويج بناته من بنيه، وقد حرم ذلك باتفاق.
قال الجصاص في تفسيره " أحكام القرآن ": (زعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقة، أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإنما المراد به نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين، كالسبت، والصلاة إلى المشرق والمغرب، قال لأن نبينا عليه السلام آخر الأنبياء، وشريعته باقية البتة إلى أن تقوم الساعة، وقد بعد هذا القائل من التوفيق بإظهار هذه المقالة، إذ لم يسبقه إليها أحد، بل قد عقلت الأمة سلفها وخلفها من دين الله وشريعته نسخ كثير من شرائعه، ونقل ذلك إلينا نقلا لا يرتابون به، ولا يجيزون فيه التأويل، وقد ارتكب هذا الرجل في الآي المنسوخة والناسخة وفي أحكامها أمورا خرج بها عن أقاويل الأمة، مع تعسف المعاني واستكراهها، وأكثر ظني فيه أنه إنما أتي به من قلة علمه بنقل الناقلين لذلك، واستعمال رأيه من غير معرفة منه بما قد قال السلف فيه، ونقلته الأمة...).
دليل أبي مسلم:
أ - احتج أبو مسلم بأن الله تعالى وصف كتابه العزيز بأنه
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
[فصلت: 42] فلو جاز النسخ لكان قد أتاه الباطل.
ب - كما تأول الآية الكريمة { ما ننسخ من آية } على أن المراد بها نسخ الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل، أو المراد بالنسخ النقل من اللوح المحفوظ وتحويله إلى سائر الكتب.
ج - وقال: إن الآية السابقة لا تدل على وقوع النسخ بل على أنه لو وقع النسخ لوقع إلى خير منه.
والجواب عن الأول: أن المراد أن هذا الكتاب لا يدخل إليه التحريف والتبديل، ولا يكون فيه تناقض أو اختلاف
Unknown page