Tafsir Al-Uthaymeen: Stories
تفسير العثيمين: القصص
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
لَوْ فَعَلْت هَذَا لَطَارَ الخبرُ، كَمَا يَقُولُ النَّاسُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ مكتومٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ، فَإِذَا ظَهَرَ لِوَاحِدٍ، فَثِقْ أنَّه سيتشعَّب، فلو أَبْدَتْهُ -ولو لأقرب النَّاسِ إِلَيْهَا- لَظَهَر أمرُ الطفل، وعُلِم به، وَلَكِنَّ اللَّهَ ﷾ رَبَطَ عَلَى قَلْبِهَا، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ بالصَّبْر، أي: سَكَّنَّاه، والربطُ عَلَى الشَّيْءِ معناه: شَدُّ الرِّباط عليها.
وانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾، فهو أَبْلَغُ مِن: أَسْكَنَّا قَلْبَها، والربطُ عليه معناه: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يتحرك، فهذا أبلغُ، وَاللَّهُ تعالى رَبَطَ عَلَى قَلْبِهَا، بحيثُ إنها صَبَرت، ولم تُحَدِّث أحدًا بِمَا جَرَى.
قوله تعالى: ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: المُصَدِّقين بِوَعْدِ اللَّهِ، وجواب (لَوْلَا) دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، وتقديره: لَأَبْدَتْ به.
وَلِهَذَا قَالَ المُفَسِّرُ ﵀: إنّه دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُا، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ مَا قَبْلَهَا، ولكن دَلَّ عَلَيْهِ. وَقَدْ سَبَقَ لَنَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْبِيرِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ، وَذَكَرْنَا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: يَحْتَاجَ إِلَى جَوَابٍ. ولكنك لَوْ أَتَيْت بالجواب لكان الكلامُ رَكِيكًا، فنقول مثلًا: أَكْرِم الطالبَ إِنْ كَانَ مجتهدًا. وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ؛ لِأَنَّك لَوْ أجبت: أَكْرِم الطالب إِنْ كَانَ مجتهدًا فأَكْرِمْه. يَكُونُ الْكَلَامِ ركيكًا، وَهَذَا المَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ القيم فِي كِتَابِهِ (التبيان فِي أَقْسَامِ القُرْآن) (^١).
وهو قوله: ﴿رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ أي: شَدَدْنَاه بالربط، وَالمُرَادُ بِهِ التسكين، وقوله: ﴿لِتَكُونَ﴾ اللامُ للتَّعلِيل، والمعلَّل ربطُ القلب، يعني: رَبَطَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهَا لهذه الغاية، ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لَيْسَ المُرَادُ الإِيمَان الجديد؛ لأنَّها مؤمنة بلا شك، وأدلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهَا مُؤْمِنَةٌ أَنَّهَا امْرَأَةٌ ألقَتِ ابنَها فِي الْيَمِّ ثِقةً بوعد اللَّهِ ﷿، وَلَكِنَّ
(^١) انظر على سبيل المثال التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم (ص ٢).
1 / 45