Tafsir Al-Uthaymeen: Saba
تفسير العثيمين: سبأ
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
والرُّؤْية هنا بصَرية، أَيْ: عايَنوه بأَعيُنهم وأَسرُّوا النَّدامة، لكن والله لا يَنفَع النَّدَم حينذاك، فالنَّدَم حين يَرَى الإنسانُ العذابَ لا يَنفَعه، إنما يَنفَع قبل أن يَرَى العذاب، قال ﵀: [أَيْ: أَخفاها كلٌّ عن فَريقه مَخافةَ التَّعيير] واضِحٌ أن المُفَسِّر ﵀ فسَّر (أَسَرُّوا) بمَعنَى: (أَخْفَوْا).
وقوله ﵀: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ ﴿وَجَعَلْنَا﴾ بمَعنَى: (صيَّرْنا) أَيْ: صيَّرْنا الأغلالَ.
والأغلالُ جمع غُلٍّ، وهو ربط اليَدين بعضها إلى بعض، وتَعليقهما في العُنُق، نَسال الله العافيةَ! ولهذا قال: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وأعناق جَمْع عُنُق وهي الرقَبة.
وقوله: ﴿فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ هل هم الذين استكْبروا أو الذين استُضْعفوا؟
الجوابُ: كلا الفَريقين؛ لأن هؤلاءِ كُفار دُعاةٌ إلى الضلال، وأُولئك كُفَّارٌ مُقلِّدون بعد أن جاءَهُم الحقُّ؛ ولهذا قال: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ فالكُلُّ كافِر، فجعَل الله تعالى الأغلالَ في عُنُق هؤلاءِ وهؤلاءِ، فهل نفَعَتْ أحَدًا منهم محُاجَجَتُه؟ أَبَدًا، وإنما هو من أَجْل إظهار العَداوة بينهم، كما قال الله ﵎ عن إبراهيمَ ﵇ حين قالَ لقَوْمه: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥]؛ قال ﷿: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف: ٣٨]، فهذه حالُ أهل النار يومَ القِيامة أعداءٌ، ولَعْن وسَبٌّ وشَتْم.
ولكنِ المُتَّقُون -اللهمَّ اجْعَلْنا وإيَّاكم مِنهم- على العَكْس من ذلك يقول الله ﷾: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: ٤٧]
1 / 217