136

Tafsir Al-Uthaymeen: Saba

تفسير العثيمين: سبأ

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

مُدُن تَكون في الغالِب طُرُقًا مُهلِكة مُخيفة، لكن إذا كانت مُتواصِلة صارت أَيسَرَ للسالِكِ، وأَشَدَّ طُمأنينةً، بل وأَقرَبَ للسَّيْر؛ لأنك إذا مَشَيْت من قرية إلى أُخرى تُحِسُّ أنك قطَعْت مَرحَلة، مثل القُرآن الكريم: لمَّا جُعِل آياتٍ وسُورًا وأَجزاءً صار أَسهَلَ للقارِئِ، الكِتاب إذا كان مُفضَلًا بأبواب وفصول صار أَيسَرَ، والطريق الحِسَّيُّ أيضًا طريق الأرض إذا كان فيه قُرًى مُتوالية صار أَيسَرَ من الطريق الطويل الذي يَمَلُّ الإنسان ولا يَرَى أنه قَطَع مَرْحَلة فيه. ولهذا قال الله ﷿: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ قال المُفَسِّر ﵀: [وَقُلْنَا: سِيرُوا]، وعليه فتكون هذه الجُملةُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، مَقولًا لقولٍ مَحذوفٍ (قُلْنا: سِيروا)، وهذا القولُ شرْعيٌّ أو قدَرِيٌّ؟ الجوابُ: قدَريٌّ؛ يَعنِي: أنَّ الله ﷾ قال لهم: سِيروا في هذه الطُّرُقِ فيها لياليَ، أي: في هذه القُرَى، ﴿لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ﴾ لا تَخافون لا في لَيْلٍ ولا في نَهار، وهذه من نِعَم الله ﷾ أنهم يَسيرون ليلًا ونَهارًا آمِنين لا يَخافون من أَحَد، ولا يَخافون من تَلَف، ولا يَخافون من انقِطاع ماء، ولا مِن فَقْدِ طعام، ولكن لم يَصبِروا على هذه النَّعْمة - والعِياذُ بالله تعالى- ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ ما شَكَروا النَّعْمة، وكان عليهم أن يَشكُروا الله تعالى على هذه النِّعْمةِ، وَيغتَبِطوا بها، ولكنهم لم يَصبِروا عليها حتى سأَلوا الله تعالى أن يُباعِد بين أَسفارِهم، فتكون الأسفار طويلة ما فيها قُرًى. وهذا نَظيرُ قَوْل أصحاب مُوسَى ﵇ له: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾ [البقرة: ٦١]، بينما كانوا في الأَوَّل يَأكُلون رَغدًا من المَنِّ والسَّلوى بلا تَعَبٍ وطعامًا

1 / 142