صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح قد سدّ الأفق (^١) كله من عظمته ﵊، وقوله: ﴿عند ذي العرش﴾ أي عند صاحب العرش وهو الله جل وعلا، والعرش فوق كل شيء، وفوق العرش رب العالمين ﷿. قال الله تعالى: ﴿رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده﴾ [غافر: ١٥] . فذو العرش هو الله. وقوله: ﴿مكين﴾ أي ذو مكانة، أي أن جبريل عند الله ذو مكانة وشرف، ولهذا خصه الله بأكبر النعم التي أنعم بها على عباده، وهو الوحي فإن النعم لو نظرنا إليها لوجدنا أنها قسمان: نِعَم يستوي فيها البهائم والإنسان، وهي متعة البدن الأكل والشرب، والنكاح والسكن، هذه النعم يستوي فيها الإنسان والحيوان، فالإنسان يتمتع بما يأكل، وبما يشرب، وبما ينكح، وبما يسكن، والبهائم كذلك. ونِعمٌ أخرى يختص بها الإنسان، وهي الشرائع التي أنزلها الله على الرسل لتستقيم حياة الخلق، لأنه لا يمكن أن تستقيم حياة الخلق التي تكون بها سعادة الدنيا والآخرة إلا بالشرائع ﴿من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ [النحل: ٩٧] . فالمؤمن العامل بالصالحات هو الذي له الحياة الطيبة في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة.
ووالله لو فتشت الملوك وأبناء الملوك، والوزراء وأبناء الوزراء، والأمراء وأبناء الأمراء، والأغنياء وأبناء الأغنياء، لو فتشتهم وفتشت من آمن وعمل صالحًا لوجدت الثاني أطيب عيشة، وأنعم بالًا، وأشرح صدرًا، لأن الله ﷿ الذي بيده مقاليد السموات والأرض تكفل. قال: ﴿من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ فتجد المؤمن العامل للصالحات