إبدال شيء بشيء، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: ٣٩]، بخِلاف (خلَف) فإنها تَدُلُّ على خُلفِ شيءٍ لشيءٍ، فيُقال: خلَفَه. أي: أتَى بعدَه، أَخلَفَه بمَعنَى: جعَل له بَديلًا؛ ولهذا يَقول المُصاب: "اللَّهُمَّ آجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا" (١)، يَعنِي: أَعطِني بدَلًا عنها.
وقوله تعالى: ﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ إنما كان كذلك لكمال صِدْقه، وكمال قُدْرته، لأن إخلاف الميعاد إمَّا أن يَكون لكذِب الواعِد، وإمَّا أن يَكون لعَجْزه، والله ﷿ مُنزَّهٌ عن هذا وهذا، فهو كامِل الصِّدْق كامِل القُدْرة.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: بَيان عُلوِّ مَنزِلة المُتَّقين؛ لأن الاستِدْراك هنا كأنه انتِشالٌ لهم ممَّا سبَق ذِكْره من الوعيد الشديد لهؤلاء الذين حَقَّت عليهم كلِمة العَذاب.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن التَّقوى سبَبٌ لدُخول الجَنَّة؛ لقوله تعالى: ﴿لَهُمْ غُرَفٌ ...﴾ إلخ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أن تَقواهم لله تعالى له سبَب سابِق ولاحِق، فالربوبية الخاصَّة في قوله تعالى: ﴿رَبَّهُمْ﴾ اقتَضَت أن يَتَّقوه، وهم يَتَّقون ربهم الذي سيُثيبُهم، فالتَّقوى لها سبَب سابِق، وهو: عِناية الله ﷿ بهِمْ، ولها سبَبٌ لاحِق وهو: ما يَرجونه من ثواب الله ﷿، وكل هذا يُحمَل على التَّقوَى، فهو ربُّهم حيث وفَّقَهم للتَّقوى، وربُّهم حيث أَثابهم عليها.