31

Tafsir al-Uthaymeen: Az-Zukhruf

تفسير العثيمين: الزخرف

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

والدَّلِيلُ الأَخِيرُ قَوُلهُ تعَالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨]، يَعْنِي: إلا قِراءَةً، جمْعُ أمنيَّةٍ، ومِنْهُ قَولُ الشَّاعِرِ فِي أَمِيرِ المُؤمنِين عُثمَانَ ﵁: تَمنَّى كتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيلِهِ ... وَآخِرَهُ لَاقَى حِمَامَ المَوَارِدِ (^١) معْنَى (تَمنَّى كتَابَ اللهِ) أَي: قرَأَ كِتَابَ اللهِ؛ لأَنَّ أمِيرَ المُؤمنِينَ عُثمَانَ ﵁ قُتِل شهِيدًا فِي دَارِهِ وهُوَ يَتَهجَّدُ ويَقْرأُ القُرآنَ، فالَّذِي لا يَفْهَمُ لا يَقْدَحُ في كَونِ القُرآنِ تِبْيانًا لكُلِّ شَيءٍ؛ لأنَّ القُرآنَ في حَدِّ ذَاتِهِ تِبيَانٌ لكُلِّ شَيءٍ، كَمَا أن الجبَانَ الَّذِي بيَد سَيفٌ بتَّارٌ لَا يُقدِم فيَقتُل به، وليسَ هَذَا عَيبًا في السَّيفِ. فإِذَا قَال قَائِلٌ: إنَّ اللهَ ﷾ ذَكَرَ أَشيَاءَ لَا مَجَال للعِلْمِ فِيهَا فأَينَ بَيَانُهَا؟ قُلْنا: بيَانُها فِي قَوْلِ اللهِ ﷾: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ﴾ [الشورى: ١١] فِيمَا يَتَعَلَّقُ بالصِّفَاتِ؛ لأَنَّ بيَانَهَا عَلَى وَجْهِ التَّفصِيل لَا تَحتَمِلُهُ العُقُوُل، فكَانَ مِنَ الحِكمَة ألا تُفصَّل، وإلَّا فهُوَ تِبَيانٌ لكُلِّ شَيءٍ. ذُكِر أن أحَدَ العُلماءِ كَانَ في مَطْعَمٍ، وكَانَ فيه رَجُلٌ مِنَ النَّصارَى، فاستَغَلَّ النَّصرانيُّ الفُرصَةَ ليُلقِيَ عَلَى هَذَا العَالِمِ سُؤَالًا يَتحَدَّاهُ بِهِ، فأَتَى إِلَيهِ وقَال لَهُ: أيُّهَا الشَّيخُ. قَال: نَعَمْ، مَاذَا تُرِيدُ؟ قَال: القُرآنُ كِتَابُكم يَقُولُ: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، ونحن نَصنَعُ هذَا الطَّعَام فأَينَ هَذَا فِي القُرآنِ؟ وكَانَ العَالمُ المُسلِمُ ذكيًّا، قَال: هَذه مَوجُودَةٌ فِي القُرآنِ، أي مَوجُودٌ كَيفَ نَصْنَعُها، قَال: أَينَ هُوَ؟ فنَادَى الطَّبَّاخَ، وقَال: كَيفَ صَنعْتَ هَذَا؟ فجَعَلَ الطَّبَّاخُ يَشرَحُ لَهُ، فقَال:

(^١) غير منسوب، وانظره في: العين (٨/ ٣٩٠)، وسيرة ابن هشام (١/ ٥٣٨)، وتفسير ابن كثير (١/ ٢٠٥).

1 / 35