وعليهم غضبٌ وهو نكرةٌ، فكيف تُثْبِتُه للهِ؟
فالجوابُ: أن السياقَ يُعَيِّنُ هذا؛ لقولِهِ: ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ وإذا دحضت عند رَبِّهم فلا يرضى اللهُ عنهم بل يغضبُ. هذا وجهٌ، الوجهُ الثاني: أنَّ اللهَ تعالى قد أَثْبَتَ لنفسِه الغضبَ في آياتٍ أخرى.
إذن: يصحُّ أن نُثْبِتَ الغضبَ للهِ بهذه الآيةِ الكريمةِ، وإنما أوردْتُ هذا الإيرادَ؛ لأنَّه لا يجوزُ لنا أن نُثْبِتَ للهِ إلا ما أضافه لنفْسِه.
وانظرْ إلى قولِ اللهِ تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢]، هل يُمْكِنُ أن نُثْبِتَ للهِ الساقَ في هذه الآية؟ لا يجوزُ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لم يُضِفْه إلى نفْسِه، بل قال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾. ولهذا رُوِيَ عن ابْنِ عباسٍ ﵄ أنه فَسَّرَها بقولِهِ: (عن شدَّةٍ) (^١).
ولكننا نقولُ: هذه الآيةُ لا نستطيعُ أن نُثْبِتَ منها الساقَ لرَبِّنا ﷿ لأنَّ ظاهرَها خلافُ ذلك، لكن سياقَها يُوافقُ حديثَ إثباتِ الساقِ للهِ ﷿ حيثُ جاء مُصَرَّحًا به، أن اللهَ تعالى يكشفُ عن ساقِهِ، وحينئذٍ نقولُ: ما دام سياقُ الآيةِ مطابقًا لسياقِ الحديثِ؛ فإن النبيَّ ﷺ أعلمُ الناسِ بتفسيرِ كتابِ اللهِ، وإلا فلا يجوزُ أن نُثْبِتَ للهِ ﷿ ما لم يُضِفْه إلى نفْسِه.
الخلاصةُ: أنه يُستفادُ من هذه الآيةِ إثباتُ الغضبِ للهِ، والسياقُ يدلُّ عليه، وهو ليس ممتنعًا على اللهِ بدليلِ ثبوتِهِ صريحًا في آياتٍ أخرى.
(^١) أخرجه الحاكم (٢/ ٤٩٩ - ٥٠٠)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٧٤٦)، وانظر: الدر المنثور (٨/ ٢٥٤).