Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
عامًّا: (فِي السّمَوَاتِ والأرْض ومَا بَيْنَهُما)، وَهَذا السّيْرُ لأمْرٍ مخصُوصٍ، أي الحوادِثِ، أنْ ينْظُروا كيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِين مِنْ قبْلِهِمْ، فيَشْمَلُ السّيْرَ بالقدَمِ، والسّيْرَ بالفكْرِ والفهْمِ، عَلَى القوْلِ بأنَّه سيْرُ أقْدَامٍ يكُونُ السّيْرُ حسِّيًّا، وعَلى الثّاني يكُونُ معنَوِيًّا، فيَشْمَلُ السّيْرَ الحسِّيَّ والسّيْرَ المعْنَوِيَّ.
إِذَا قَالَ قَائِلٌ: كيْفَ تطْلُبونَ مِنَ الإنسان أنْ يسيِرَ بقَدَمِه إِلَى مَواقِعِ العذابِ وقَدْ نَهى النّبيّ ﵊ أَنْ ندْخُلَ مواقِعَ العقَابِ إلا ونحْنُ بَاكُونَ؟
قُلْنَا: لا تعارُضَ؛ لأَنَّ هَذا هُو المقْصُودُ، فالسّيْرُ إِلَى موَاقِعِ العذابِ المقْصُودُ بِه الاتِّعاظُ والانْزِجارُ، وَهَذا يتحَقَّقُ بالبكاءِ، وَلِهَذا نَهى النّبيُّ ﵊ أنْ ندْخُل دِيَارَ ثَمُودَ إلا ونَحْنُ بَاكُونَ، وقَالَ: "إِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا" (^١)، وبعْضُ النّاسِ يذْهَبُ إِلَى دِيَارِ ثمُودَ عَلَى سبِيلِ النّزْهةِ والطّرَبِ والتّمتُّعِ بالمنَاظِرِ، وَلِهَذا يأْخُذُونَ لها صُوَرًا؛ إعْجابًا بها لا خوفًا، وَهَذا مِنْ قسْوَةِ القلْبِ - والعياذُ باللهِ -، والجهْلِ بِمَا جَاء بِهِ النّبيّ ﷺ؛ لأَنَّ غالب هَؤُلاءِ الَّذِين يذْهَبُون لِهَذا المقْصَدِ يَكُونُونَ جاهِلِينَ، ولَا نَقُولُ: إِنَّ كلَّهم عنْدَهم قسْوَةُ قلْبٍ تعمَّدوا مخالفةَ الحقِّ، لكنَّنا نقُولُ أنَّ عنْدَهم شيْئًا مِنَ الجهْلِ أوِ الغالب عليْهِمُ الجهْلُ، وإلا لا يُمْكِنُ أنْ يفرَحَ أحدٌ في مكَانٍ نَهى الرّسُولُ ﵊ عنْ دُخُولِه إلا في حَالِ البكاءِ، وإلا فَإنَّ الإنسان الَّذي لا يعْرِفُ مِن نفْسِه اَنه إِذا ذَهَبَ سيتَأثَرُ حتّى يَبْكي لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يدْخُلَ؛ لأَنَّ النّبيّ ﷺ نَهى عَنْ ذَلِك.
(^١) في قوله ﷺ: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المعَذَّبينَ إلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ"، أخرجه البَخاري: كتاب الصّلاة، باب الصّلاة في مواضع الخسف والعذاب رقم (٤٣٣)، ومسلم: كتاب الزّهد والرّقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذّين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، رقم (٢٩٨٠).
1 / 50