145

Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum

تفسير العثيمين: الروم

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

وحُكْمُ الله ﷿ ينْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: كَوْنيٍّ وشرْعِيٍّ، فالكوْنيُّ نافِذٌ في جَمِيعِ الخلْق شاؤُوا أمْ أَبوْا، والشَّرعِيُّ نافِذٌ فِيمَن أطَاعَ الله ﷿، أمَّا مَنْ لَم يُطِعْه فإِنَّهُ لا يُنْفِذُ حُكْمُه. وهَل هُناك أمْثِلَةٌ مِن القُرآنِ تدُلُّ عَلَى هَذا التّقسيمِ مِن أنَّ الحُكْم كوْنِيٌّ وشَرْعِيٌّ؟ الجوابُ: نعم، قالَ أحَدُ إخْوَةِ يُوسُفَ: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ [يوسف: ٨٠]، المُراد بالحُكم هُنا الحكمُ الكَوْنيُّ القَدَرِيُّ، يَعْني: أوْ يُقَدِّرُ الله ذَلِك، أمَّا الحُكْم الشّرعِيُّ فإنَّ الله لما ذَكر مَا يَجِبُ فِي النِّساءِ المُهاجِراتِ فِي سُورةِ المُمْتَحِنة قَال: ﴿ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ [الممتحنة: ١٠]، والمُراد بالحُكْم هُنا الحُكْمُ الشّرْعِيُّ، لأَنَّ مَا ذُكِرَ مِن الأُمُورِ كُلُّه أمُورٌ شرْعِيَّةٌ. لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما تقُولونَ فِي قوْلِه ﷾: ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٧٠]، أيُّ الحُكْمَين؟ قُلْنَا: هذَا شَامِلٌ، وَكَذلِكَ قوْلُه تَعالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠]، الظَّاهِر أنَّه شامِلٌ، وإِنْ كَان فِي الشَّرع فِي هَذهِ الآيَةِ أظْهَرَ؛ لأَنَّ الله قال: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠]. إِذَن: الحكِيمُ مِن الحُكْم تنْقِسمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: حُكْمٌ شرْعِيٌّ، وحُكْمٌ كوْنيٌّ، والحُكمُ الكونيُّ هُو قَضاؤُه وقدَرُه، وكُلُّ أحَدٍ خاضِعٌ لَهُ، والحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَا حَكَمَ بِه شرْعًا، ولا يَخْضَعُ لَهُ كلُّ أحدٍ. أمَّا إذا قُلنا أنَّه مِن (أحْكَمَ) فحَكِيمٌ مِن الحكْمَة بمَعْنى مْحُكم، فإِنَّ الحِكْمة تنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْن: حكْمَةٌ غائِيَّةٌ، وحِكْمةٌ صُورِّيةٌّ، يعْنِي صورَةُ الشّيْء كَذا وكَذا،

1 / 151