Tafsir Al-Uthaymeen: Ar-Rum
تفسير العثيمين: الروم
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
وأمَّا قولُ المُفَسِّر ﵀: [وَهِيَ أنَّه لَا إلَهَ إِلَّا الله]، فهَذا فرْدٌ مِن أفْرَادِ المَثَل الأعْلَى، وليْسَ هُو المَثل الأَعْلى كُلَّه، فإِنَّ لَا إلَه إلَّا الله تدُلُّ عَلَى تفرُّدِه ﷾ بالأُلوهِيَّةِ، وَهَذا مِن المَثَلِ الأَعْلى، لكِنَّ المَثلَ الأَعْلى أعَمُّ مِن ذَلِك، فلَهُ مثلًا القُدْرَةُ الكامِلَةُ والعِلْم الكامِلُ والحيَاةُ الكاملَةُ والسَّمْعُ الكامِلُ والبَصر الكامِلُ والحكْمَةُ البالِغةُ، وَهكَذا فَهِي أعَمُّ مِن تفرُّدِه بالأُلوهِيَّةِ.
قالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ فِي مُلْكِهِ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ فِي خَلْقِه]: تفْسِيرُه هَذَا فِيه قُصورٌ، فـ ﴿الْعَزِيزُ﴾ يعْنِي: ذُو العِزَّة، وَهِي الغَلبَةُ والقَهْر والقَدْرُ، فلَه عزَّةُ القهْرِ والقَدْرِ ﷾ والامتناعِ، فالعزة إِذَنْ ثلاثَةُ معَانٍ:
المَعْنى الأوَّلُ: عزَّةُ القَهْرِ، بمَعْنى أنَّه القاهِرُ لكُلِّ شيْءٍ، فلَا يغْلِبُه أحَدٌ، قالَ الله تَعالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨].
المَعْنى الثَّاني: عِزَّةُ القَدْرِ، ومعْنى عِزَّة القَدْر أنَّ الله ﷾ لا نظِير لَه، ولَا شبَه له؛ لكمَال قدْرِه ﷾ وعظَمَتِه، ومنْهُ قوْلُهم: (هَذا الشّيْءُ عزِيزٌ)، أيْ نادِرُ الوُجودِ لَا نظِيرَ لَهُ.
المَعْنى الثَّالث: عِزَّةُ الامتِناعِ، بمَعْنى أنَّه يمتَنِع علَيْه النّقْص لِكمَالِ قُوَّتِه، ومنْهُ قوْلُهم: هَذِهِ الأرْضَ عزَازٌ (^١)، يعْنِى شَديدَةٌ قويَّةٌ لا يُمْكِنُ أنْ ينْفذَ إليها شيْءٌ، والأرْضُ الرَّخوَةُ بالعَكْس، كُلُّ شيْءٍ يؤَثِّرُ فِيها حتَّى الرَّجُل إِذا مشَى علَيْها يُؤثِّرُ، بخلَافِ الأَرْض الصّلْبة التي تُسمَّى العزَاز.
فصارَتِ العزَّةُ الآن عزَّة القدْرِ وعِزَّةَ القهْرِ وعِزَّةَ الامتَناع.
(^١) تاج العروس من جواهر القاموس (١٥/ ٢٢٢)، ولسان العرب (٥/ ٣٧٤).
1 / 149