240

Tafsīr al-ʿUthaymīn: al-Naml

تفسير العثيمين: النمل

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

هَذِهِ الجملة أيضًا تفيد أَنَّهُ قُصِدَ به مَعَ اختبارها وامتحانها إظهارُ عظمةِ مُلك سُلَيْمَان، مثلما قُصِدَ بإحضارِ العَرْش هَذَا المقصد ﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ فتبين بذلك أمران:
أحدهما: عظمة مُلك سُلَيْمَان، حَيْثُ إن الزجاج يُصنَع له حَتَّى يَكُون كالبحرِ اللُّجِّيِّ.
وثانيًا: الإشارة إِلَى أن هَذِهِ المَرْأَة وإن كانت ذكيَّة وعاقلةً وحازمةً فإنها يَخْفَى عليها الأَمْرُ؛ لِأَنَّهَا حَسِبَتْ أن هَذَا الزجاجَ لُجَّة منَ الماءِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كذلك، ففيه نوعٌ من إظهارِ ضَعْفِها أيضًا، حَيْثُ إِنَّها ظَنَّت الأَمْر عَلَى خلافِ ما هُوَ عليه، وسيأتي إن شاء الله تَعَالَى فِي فوائد الآيَات.
﴿قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ حينئذٍ عرفتْ مكانَتَها وعرفتْ مكانةَ سُلَيْمَان، وقوله ﵀: [ودعاها إِلَى الإِسْلام]، لَيْسَ فِي الآيَةِ ما يَدُلّ عليه، بل إن الظَّاهر أَنَّهَا بما شاهدتْ ألجأها ما شاهدته إِلَى أنْ تُسلِمَ؛ لِأَنَّهَا شاهدتْ أمورًا منها: إتيان عرشها، ومنها: هَذَا الصرحُ العظيمُ الممرَّد مِنَ القواريرِ، ومنها أيضًا: أن سُلَيْمَان ﵊ أَخْبَرَهَا بعظمتِه وقُوَّتِه، حَيْثُ إنَّ هَذَا الصرح الممرَّد من القوارير وَلَيْسَ ماءً.
حينئذٍ اعترفتْ فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾، قَالَ المُفَسِّر ﵀: [بعبادة غيرك]، وعبادة غيرِ اللهِ من أعظمِ الظلمِ، قَالَ الله تَعَالَى عن لقمان حين قَالَ لابنه: ﴿يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣] لِأَنَّ أعظم الظلم أن تَتَسَلَّط عَلَى مَن حقّه أبين وأوضح، ولا أبين وأوضح من حق الله عَلَى العبادِ، لهَذَا كَانَ الشرك أظلم الظلمِ.

1 / 244