156

Tafsir al-Uthaymeen: An-Naml

تفسير العثيمين: النمل

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: تَحذيرُ العَبْدِ مِنَ المُخالفةِ عَلَنًا أو سِرًّا، كيف ذلك؟ لأنك إذا عَلِمتَ بهَذَا الأَمْرِ، بأن الله يعلمُ ما تُخْفِي وما تُعْلِن، يَلْزَمُ مِن ذلكَ أن لا تُخَالِفَه، لا تقلْ: سأفعلُ هَذَا المحرَّم لِأَنَّ الله لا يَدْرِي، أو سأترك هَذَا الواجبَ لِأَنَّ الله لا يدري، بل الله ﷾ يَعلمُ، والْإِنْسَان لو عَلِمَ أن المعظَّم عندَه يعلم بأفعالِه، لَتَرَكَ ما لا يُرْضِيه، لو عَلِمْتَ مثلًا أن أباك أو الرجلَ الَّذِي تحترمه يعلم بما تفعل، فهل تفعل ما يخالف رضاه؟ لا تفعل، لا سيما إذا كَانَ محبوبًا لديك ومُعَظَّمًا، فإذا كَانَ كذلك فالربُّ من باب أَولى.
ولهَذَا ينبغي لكَ كلَّما دَعَتْكَ نفسُك إِلَى معصية، بل إِلَى مخالفةٍ بتركِ أمرٍ أو فعلِ نهىٍ، يَجِب عليك أن تتذكرَ هَذَا الأَمْرَ، أن الله ﷾ يَعْلَم مخالفتَكَ، فيَلْزَم من هَذَا أن تَرْتَدِع، ولهَذَا جاء فِي الحديث وإن كَانَ فِيهِ نظرٌ: "أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ مَعَكَ حَيْثُما كُنْتَ" (^١)؛ لأنك إذا عَلِمْتَ هَذَا العلمَ أوجبَ لك الاستقامةَ والثباتَ عَلَى الأَمْرِ.
قوله: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥]، فيها قِراءتان (^٢): ﴿مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ و"ما يخفون وما يعلنون"، أَمَّا عَلَى قراءة: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥]، عَلَى حَسَبِ تفسيرِ المُفَسِّر فالمناسبُ: ما يخفون وما يعلنون، وَأَمَّا إن كَانَ عَلَى قراءة الكِسائي: "أَلَا يا اسجدوا"، وهي قراءة سَبْعِيَّة (^٣)، فتناسب: ﴿مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥]؛ لِأَنَّ اسجدوا فعلُ أمرٍ، وفعل الأَمْر للمُخَاطَب، فيَقْتَضي أن الأفعال الَّتِي

(^١) رواه الطبراني في الأوسط (٨٧٩٦)، عن عبادة بن الصامت ﵁.
(^٢) الحجة في القراءات السبع (ص: ٢٧١).
(^٣) المصدر السابق نفس الموضع، والسبعة في القراءات (ص: ٤٨٠).

1 / 160