﴿هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: ٦].
الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ والسَّادِسَةُ: أن الْإِنْسَان يُذَمُّ عَلَى فِعْلِه أو يُمدَح عَلَى فعله؛ لِأَنَّ الهدهد ساقَ ذلك عَلَى سبيلِ الذمِّ، والغرضُ من ذِكر هَذِهِ الفائدة: الوصول إِلَى أنَّ فعل الْإِنْسَان باختيارِهِ؛ إذ لو كَانَ مُجْبَرًا عليه لم يصِحّ أن يَكُون مَحَلًّا للذمِّ أو للمدحِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُجْبَر عَلَى العَمَلِ لا يُمْدَحُ عليه إن كَانَ خيرًا، ولا يُذَمّ عليه إن كَانَ سوءًا، ولكِنه هُوَ فِعْلُهُ.
ويتفرع عَلَى هَذهِ الفائدة: إبطال قول الجبرية الذين يقولون: إن الْإِنْسَان مُجْبَر عَلَى عَمَلِه؛ لأَنَّهُ إذا كَانَ مجبرًا لم يكن أهلًا للثناءِ فِي الخير أو فِي الشرّ.
الفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أن الأَعْمالَ السيِّئة من تزيينِ الشيطانِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ فكيفَ يُجمَع بين هَذِهِ الآيَةِ وبين قولِهِ تَعَالَى: ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل: ٤]، فأضافَ اللهُ التزيينَ إليه، وهنا أضافَهُ إِلَى الشيطانِ، وَفي آيَةٍ ثالثةٍ: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ [التوبة: ٣٧]، مبنيٌّ للمجهولِ؟
نَقُول: هَذِهِ لا تعارضُ الآيَاتِ الأُخْرَى، فيُضاف إِلَى الله تقديرًا، وإلى الشيطان مباشرةً.
إِذَا قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الأَعْمالَ السيِّئة تُزَيَّنُ للنَّاس فِي رمضان، وقد ثبتَ فِي الحديث: "أَنَّ الشَّيَاطِينَ تُصَفَّدُ فِيهِ وتُغَلُّ" (^١)، ومع ذلك نرى أن كثيرًا من الخلقِ يُزَيَّن لهم سوءُ الأَعْمالِ فِي رمضانَ، فكيف الجمعُ؟
قُلْنَا: يَكُون هَذَا من تزيينِ النفسِ، فهي تُزَيِّنُ أيضًا سُوءَ الأَعْمالِ.