Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ankabut
تفسير العثيمين: العنكبوت
Publisher
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
أي: فأنتم المجَانِين في الحقيقةِ، لكن جاء بها بأسلوبٍ واضحٍ مُنطِقِيٍّ، أي: فإن كنتم عُقلاءَ فرَبُّ المشرقِ والمغرب الذي يأتي بالشمسِ مِنَ المشرقِ ويأتي بها مِنَ المغْرب هو اللَّهُ ﷾، وأخِيرًا لما لم يستطع الإجابة: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣ - ٢٩].
وقوله: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الشعراء: ٢٨]، يُشَبِّهُ قولَ إبراهيمَ ﵊ للَّذِي حآجَّه في اللَّهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة: ٢٥٨]، وهنا كانَ الجوابُ: ﴿إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾، فهو تَهديدٌ بالقُوَّةِ لا بالمنْطِقِ، وهو نَظيرُ ما حصلَ للرُّسُلِ وخُصمائِهم، فهي سِلْسِلةٌ لا تَتَفَّرَّقُ، فقد أُوذِي محمدٌ ﵊، قال اللَّه تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠].
فلو قالَ قائلٌ: هنا في هذه الآية قالَ: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾، وفي آيةٍ أُخْرَى: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٨]، والجمعُ بينهما سَهْلٌ، فهنا قال بعضهم: اقتُلُوه، وقال بَعضُهم: حرِّقُوهُ، ثم قرَّ قرارُهُم على التَّحريقِ، واللَّه أعلمُ، ونسألُ اللَّه العافية.
قوله: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾: (أو) هذه هل هي للتَّخْيِيرِ أو للشكَّ أو للتَّنْويعِ؟
فالجواب: هي للتَّنْويعِ، وليست للشَكِّ؛ لأن كلامَ اللَّه لا يقَعُ فيه الشكُّ لكمالِ عِلمِهِ ﷾، ولا للتَّخْيِيرِ؛ لأنه خلافُ ظاهرِ القُرآنِ في سورة الأنبياءِ: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ﴾، فكان الرأيُ على التَّحْريقِ.
فإذا قال قائل: أليسَ الإحْراقُ يحصلُ به القَتْلُ؟
1 / 109