الصادِق يُسأَل عن صِدْقه، لقوله تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾، فَيَتفَرَّع عن هذه الفائِدةِ: وجوبُ الحَذَر، ووجوبُ الاستِعْداد لهذا السُّؤالِ؛ فإذا كان الصادِقُ يُسأَل فما بالُك بالكاذِبِ؟ ! الكاذِبُ جَزاؤُه ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾؛ لأن الكافِرين لا يُسأَلون سُؤالًا يحاسَبون عليه، كمُحاسَبة أهل الخير.
والسُّؤال هنا ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾، هل هو خاصٌّ بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو عَامٌّ؟
قلنا: إنه عامٌّ؛ لأن النَّبيِّين الذين ذُكِروا رُسُل، وكلُّ رَسول لا بُدَّ من مُرسَل إليه، والرسولُ لا شَكَّ أنَّه صَادِق، فبَقِيَ التقسيمُ إلى صادِق أو غير صادِق محلُّه المُرْسَل إليه.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثْبَات الجزاءِ ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن النَّار مَوْجودة الآن، لقوله تعالى: ﴿وَأَعَدَّ﴾ بلَفْظ الماضي، والإعداد بمَعنَى: التَّهيِئة، والنُّصوص في وجود النار ووجود الجنَّة الآنَ من القُرآن والسُّنَّة كثيرة، فهما الآنَ مَوْجودتان، وهما لا تَفنَيان على مُعتَقَد أهل السُّنَّة، وإن كان ذُكِر خِلاف عن السلَف في أبديَّة النار: هل هي مُؤَبَّدة أم لا؟ والصحيحُ أنَّها مُؤبَّدة لا شكَّ.
والدليلُ على ذلك قوله تعالى يُخاطِب الذين آمَنوا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٠ - ١٣١]، فحَذَّر المُؤمِنين من النار التي أُعدَّتْ للكافِرين، والصواب بلا شَكٍّ أن النار مُؤَبَّدة، وفي ذلك ثلاثُ آيات من كِتاب اللَّه تعالى: آية في النِّساء، وآية في الأحزاب، وآية في الجِنِّ.