260

Tafsīr al-ʿUthaymīn: al-Aḥzāb

تفسير العثيمين: الأحزاب

Publisher

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٣٦ هـ

Publisher Location

المملكة العربية السعودية

Genres

لرسول اللَّه ﷺ حين فتَحَ مكَّةَ وانتَصَر على أهلها؛ فإنه ﵊ لم يَدخُل دُخول العالِي المُستكبِر، وإنما دخَل مُطَأْطِئًا رأسَه ﷺ خاضِعًا للَّه ﵎ (^١).
ومنه أيضًا الخُشُوع في الحجِّ والعُمرة؛ حيث يُؤدِّيها الإنسان بتَطامُن، وذُلٍّ، وهو يَعْتَقِدُ أنَّه يَعْبُد اللَّه تعالى، فأنت إذا دخَلْت في العُمرة أو الحَجِّ فاعتَقِدْ أنك في عِبادة، من حين أن تَقول: (لبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيكَ) إلى أن تَنتَهيَ، ولكننا -مع الأسَف الشديد- لا نَشعُر بهذا، فتَجِد الإنسان يَتلبَّس بمَحظورات الإحرام وبغَيْرها من المُحرَّمات، إلَّا مَن شاء اللَّه تعالى.
إِذَنِ: الخُشوع يَشمَل جميع الطاعات، بأن يُؤدِّيَها الإنسان بتَواضُع وذُلٍّ وتَطامُن، ليس في قَلْبه استِكْبار ولا عُلوٌّ، ولا فَرقَ في هذا بين أن يَكون الخُشوع في أثناء فِعْل العِبادة، أو بعد فِعْل العِبادة أيضًا؛ لأنَّ من الناس مَن يَخشَع في العِبادة لكن إذا انتَهى منها رأَى نَفْسه في درجة عالية، وأنه مُرتَفِع، وأنه قد نال درجة ما نالَها غيرُه، وهذا من الإعجاب بالنَّفْس وبالعمَل، فالإنسانُ يَنبَغي له إذا أدَّى العِبادة أن يَكون كما قال اللَّه ﷾: ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾، إن نظَروا إلى تَقصيرهم خافُوا، وإن نظَروا إلى فَضْل اللَّه تعالى طمِعوا.
وقوله ﷾: ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ﴾ المُتصدِّقين يَعنِي: الباذِلين للصَّدَقة، والصَّدَقَةُ هي بَذْلُ المالِ تَقَرُّبًا إلى اللَّه ﷿، ويَشمَل الزكاة؛ فإنها أَعلى الصدَقات، ويَشمَل البَذْل التَّطوُّعيَ كصدَقة التَّطوُّع، وكالإنفاق على الضيف وعلى الأهل، وعلى النَّفْس، كل هذا من الصدَقة فما يَجعَله الإنسان في فَمِ امرأته من الصدَقة،

(^١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣/ ٤٧)، من حديث أنس ﵁. وانظر: السيرة لابن هشام (٢/ ٤٠٥).

1 / 265