والتَّالُّم من هذا الجُوعِ والعطَش، إذَنْ صَبرٌ على أقدار اللَّه تعالى المُؤلمِة؛ ففيه أنواع الصَّبْر الثلاثة: صبرٌ على طاعة اللَّه تعالى، وصبرٌ عن مَعصية اللَّه تعالى، وصبرٌ على أقدار اللَّه تعالى المُؤلمِة.
قال تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ﴾ يَقول المُفَسِّر ﵀: [المُتواضِعِين] الخاشِع المتواضِع المُتطامِن، وضِدُّه المُتَعالِي المُسْتَكبِر؛ فالخُشُوع إِذَنْ: تَطامُن، وخُضوع، وتَواضُع، وهو من أعلى مَراتِب الإيمان، ومن اَكمَلِ أحوال القَلْب، والخُشوع له مَواضِعُ منها الخُشوع في الصلاة؛ فسَّرَه الفُقَهاء ﵀ بأنَّه سُكونٌ في القَلْب، يَتبيَّن على الجوارِح، وبعضُهم قال: مَعنًى في النَّفْس، يَظهَر منه خُشوع الأطراف. فهو في القَلْب ويَظهَر أثَرُه على الجوارِح.
ولهذا يُروَى عن عُمرَ ﵁ أنه رأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بلِحيته وهو يُصلِّي، فقال: لو سَكَن قَلْب هذا لسَكَنَت جوارِحُه (^١). وقد رُوِيَ مَرفوعًا (^٢) ولا يَصِحُّ، وإنما هو عن عُمرَ ﵁ على ما فيه ضَعْف عنه.
فالخُشوع في الصلاة: هو سُكون القَلْب الذي يَظهَر أثَره على الجوارِح، أو مَعنًى يَكون بالنَّفْس يَظهَر منه سُكون الأطراف، وهناك أيضًا خُشوع في بَقيَّة الطاعات، بأن يُؤدِّيَها الإنسان، وهو مُتَواضِع مُتطامِنًا للَّه ﷿، ومنه ما حصَل
(^١) ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٨/ ٢٧٣)، وأخرجه ابن المبارك في الزهد (ص: ٤١٩ رقم ١١٨٨)، وعبد الرزاق في المصنف (٢/ ٢٦٦)، وابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٤٨٢)، عن ابن المسيب من قوله.
(^٢) أورده الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (٣/ ٢١٠)، من حديث أبي هريرة ﵁، وعزاه له العراقي في تخريج الإحياء (١/ ١٧٨) وقال: سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول سعيد ابن المسيب.