Tafsir al-Qur'an al-Karim wa I'rabuhu wa Bayanuhu - al-Durra
تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه - الدرة
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
Genres
أن النبي ﷺ كان إذا سمع الرّعد، والصّواعق، قال: «اللهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك». أخرجه الترمذيّ، وقال: حديث غريب.
﴿يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ﴾ أي: من أجل الصواعق، والمراد: رءوس الأصابع، وهي الأنامل، لأن دخول الأصابع كلها في الآذان لا يمكن، فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء، وهذا ما يسمّى المجاز المرسل، و﴿الصَّواعِقِ:﴾ جمع: صاعقة. قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: إذا اشتدّ غضب الرّعد الذي هو الملك، طار النّار من فيه، وهي الصّواعق. وكذا قال الخليل: هي الواقعة الشّديدة من صوت الرّعد، يكون معها أحيانا قطعة نار تحرق ما أتت عليه.
وقرأ الحسن البصري: («من الصّواقع») بتقديم القاف، ومنه قول أبي النّجم العجلي: [الرجز]
يحكون بالصّواقع القواطع... تشقّق البرق عن الصّواقع
قال النحاس: وهي لغة تميم، وبني ربيعة، ويقال: صعقتهم السّماء: إذا ألقت عليهم الصّاعقة، والصاعقة أيضا: صيحة العذاب، قال الله تعالى في كثير من الآيات: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ﴾ والمراد: صيحة العذاب، والهلاك. هذا و(الأصابع): جمع: إصبع، فلم تذكر بلفظ المفرد أبدا في القرآن الكريم، وقد ذكرت بلفظ الجمع هنا، وفي سورة (نوح) على نبينا وعليه ألف صلاة، وألف سلام، والأنامل: ذكرت بلفظ الجمع في سورة (آل عمران) رقم [١١٩] فقط، ولم تذكر في غيرها، والأنملة: رأس الإصبع، ففيها وفي إصبع تسع لغات: تثليث همزتها، وتثليث ميم أنملة، وتثليث بإصبع، وتزيد أصبوعا، وقد نظم ذلك بعضهم، فقال: [البسيط]
بإصبع ثلّثن مع ميم أنملة... وثلّث الهمز أيضا وارو أصبوعا
﴿حَذَرَ الْمَوْتِ:﴾ خوف الموت، و(﴿حَذَرَ﴾) («حذار») قراءتان، وهما بمعنى واحد. هذا؛ و﴿الْمَوْتِ:﴾ هو انتهاء الحياة بخمود حرارة البدن، وبطلان حركته، وموت القلب: قسوته، فلا يتأثر بالمواعظ، ولا ينتفع بالنّصائح. ﴿مُحِيطٌ:﴾ أي عليم علما دقيقا بالكافرين، فلا يفوتونه، ولا يعجزونه، يقال: أحاط السلطان بفلان: إذا أخذه أخذا حاصرا من كلّ جهة، فهو من باب المجاز، بل هي استعارة تبعيّة في الصّفة سارية إليها من صدرها، انتهى جمل نقلا من كرخي.
قال الشاعر: [الطويل]
أحطنا بهم حتّى إذا ما تيقّنوا... بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السّلم
ومنه قوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٤٣]: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ،﴾ وقال تعالى في آخر سورة (الطلاق): ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾. هذا؛ و﴿مُحِيطٌ﴾ أصله: (محوط) لأنه من: أحاط، يحيط، أو من: حاط، يحوط، وهو أولى، فهو من الباب الأول، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح
1 / 67