41

Tafsīr al-Qurʾān al-Karīm - al-Muqaddam

تفسير القرآن الكريم - المقدم

Genres

تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس)
يقول ﵎: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:١٣] قوله: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا» يعني: هذا أمر بالمعروف بعد نهيهم عن المنكر في قوله: «لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ» [البقرة:١١].
قوله: (كما آمن الناس) يعني: كما آمن الناس الكمّل وهم المؤمنون؛ لأن المؤمنين هم الناس في الحقيقة، فالمقصود بالناس هنا هم المؤمنون.
قوله: «قَالُوا أَنُؤْمِنُ» هذا استفهام فيه معنى الإنكار، أي: هم يستنكرون على من يأمرهم بذلك، ويقولون: (أنؤمن كما آمن السفهاء) فسموا المؤمنين الكمّل سفهاء! والسفه: هو خفة وسخافة في الرأي يورثهما قصور العقل، وقلة المعرفة بمواضع المصالح والمضار، وقد وصف الله ﵎ النساء والصبيان (بالسفهاء) بهذا الاعتبار؛ لعدم إحسانهم تقدير عواقب الأمور وميزانها بالميزان الصحيح حيث قال ﷿: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء:٥].
إذًا: هؤلاء المنافقون كانوا في يسار وسعة عيش، وكانوا في رياسة وجاه، وكان أكثر المؤمنين فقراء، منهم الموالي: كـ صهيب وبلال وخباب رضي الله تعالى عنهم أجمعين فدعوهم سفهاء؛ تحقيرًا لشأن هؤلاء الصحابة؛ لأنهم ضعفاء، وقد ذكر أبو سفيان لـ هرقل حينما سأله: (أضعفاء الناس اتبعوه أم وجهاؤهم وأشرافهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم اتبعوه، فقال: كذلك أتباع الأنبياء).
الشاهد هنا أن قوله: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ» أي: الصحابة أو المؤمنون.
قوله: «قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ» يعني: الفقراء الضعفاء كـ صهيب وبلال وخباب وغيرهم، نحن لا نفعل كفعلهم، فقال الله ﵎ ردًا عليهم وذبًا عن هؤلاء المؤمنين: «أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ» يعني: لا يعلمون ذلك، فكأن السفاهة كلها منحصرة فيهم هم، لا في غيرهم، ولا تخرج عنهم.

3 / 9