121

Tafsīr al-Bayḍāwī

تفسير البيضاوى

Editor

محمد عبد الرحمن المرعشلي

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٨ هـ

Publisher Location

بيروت

وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا تمسكوا كل الإِمساك. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكف عن الغزو والإِنفاق فيه، فإن ذلك يقوي العدو ويسلطهم على إهلاككم. ويؤيده ما روي عن أبي أيوب الأنصاري ﵁ أنه قال: لما أعز الله الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا نقيم فيها ونصلحها فنزلت، أو بالإمساك وحب المال فإنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد، ولذلك سمي البخل هلاكًا وهو في الأصل انتهاء الشيء في الفساد، والإِلقاء: طرح الشيء، وعدى بإلى لتضمن معنى الانتهاء، والباء مزيدة والمراد بالأيدي الأنفس، والتهلكة والهلاك والهلك واحد فهي مصدر كالتضرة والتسرة، أي لا توقعوا أنفسكم في الهلاك وقيل: معناه لا تجعلوها آخذة بأيديكم، أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها فحذف المفعول. وَأَحْسِنُوا أعمالكم وأخلاقكم، أو تفضلوا على المحاويج. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
[سورة البقرة (٢): آية ١٩٦]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ أي ائتوا بهما تامين مستجمعي المناسك لوجه الله تعالى، وهو على هذا يدل على وجوبهما ويؤيده قراءة من قرأ وَأَقِيمُواْ الحج والعمرة لِلَّهِ، وما
روى جابر رضي الله تعالى عنه «أنه قيل يا رسول الله العمرة واجبة مثل الحج، فقال: لا ولكن إن تعتمر خير لك»
فمعارض بما روي «أن رجلًا قال لعمر رضي الله تعالى عنه، إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ أهللت بهما جميعًا، فقال: هديت لسنة نبيك» ولا يقال إنه فسر وجد أنهما مكتوبين بقوله أهللت بهما فجاز أن يكون الوجوب بسبب إهلاله بهما، لأنه رتب الإِهلال على الوجدان وذلك يدل على أنه سبب الإِهلال دون العكس. وقيل إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، أو أن تفرد لكل منهما سفرًا، أو أن تجرده لهما لا تشوبهما بغرض دنيوي، أو أن تكون النفقة حلالًا. فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ منعتم، يقال حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه عن المضي، مثل صده وأصده، والمراد حصر العدو عند مالك والشافعي رحمها الله تعالى لقوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ ولنزوله في الحديبية، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لا حصر إلا حصر العدو وكل منع من عدو أو مرض أو غيرهما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، لما
روي عنه ﵊ «من كسر أو عرج فقد حل فعليه الحج من قابل»
وهو ضعيف مؤول بما إذا شرط الإحلال به
لقوله ﵊ لضباعة بنت الزبير «حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني»
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فعليكم ما استيسر، أو فالواجب ما استيسر. أو فاهدوا ما استيسر. والمعنى إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلل تحلل بذبح هدي تيسر عليه، من بدنة أو بقرة أو شاة حيث أحصر عند الأكثر. لأنه ﵊ ذبح عام الحديبية بها وهي من الحل، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يبعث به، ويجعل للمبعوث على يده يوم أمار فإذا جاء اليوم وظن أنه ذبح تحلل لقوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ أي لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدي المبعوث إلى الحرم بلغ محله أي مكانه الذي يجب أن ينحر فيه، وحمل الأولون بلوغ الهدي محله على ذبحه حيث يحل الذبح فيه حلًا كان أو حرمًا، واقتصاره على الهدي دليل على عدم القضاء. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يجب القضاء، والمحل. بالكسر. يطلق على المكان والزمان. والهدي: جمع هدية كجدي وجدية، وقرئ من «الهدى» جمع هدية كمطى في مطية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا مرضًا يحوجه إلى الحلق.
أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ كجراحة وقمل. فَفِدْيَةٌ فعلية فدية إن حلق. مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ بيان لجنس الفدية، وأما قدرها
فقد روي أنه ﵊ قال لكعب بن عجرة «لعلك آذاك هَوَامُكَ، قال:

1 / 129