110

Tafsir al-Baghawi - Revival of Heritage

تفسير البغوي - إحياء التراث

Investigator

عبد الرزاق المهدي

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٠ هـ

Publisher Location

بيروت

Genres

رَوْعِهِ أَنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِي شيء غيره حيي، وكان بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَعَارُوا حُلِيًّا كَثِيرَةً مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ [حِينَ أرادوا الخروج من مصر لعلّة عُرْسٍ لَهُمْ فَأَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ] [١] وَبَقِيَتْ تِلْكَ الْحُلِيُّ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا فَصَلَ مُوسَى قال هارون [٢] لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ الْحُلِيَّ الَّتِي اسْتَعَرْتُمُوهَا [٣] مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ غَنِيمَةٌ لَا تَحِلُّ لَكُمْ فَاحْفِرُوا حُفْرَةً وَادْفِنُوهَا فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى، فَيَرَى فِيهَا رَأْيَهُ.
وَقَالَ [٤] السُّدِّيُّ: إِنَّ هَارُونَ ﵇ أَمَرَهُمْ أن يلقوها في حفرة [٥]، حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى فَفَعَلُوا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحُلِيُّ صَاغَهَا السَّامِرِيُّ عِجْلًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا [٦] الْقَبْضَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ تُرَابِ [أَثَرِ] فَرَسِ جِبْرِيلَ ﵇، فَخَرَجَ عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعًا بِالْجَوَاهِرِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ، فخار خَوْرَةً، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي فَقَالَ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وإله موسى، فنسي، أَيْ: فَتَرَكَهُ هَاهُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبُهُ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخْلَفُوا الوعد فعدّوا اليوم مع الليلة يومين، فلما مضى عِشْرُونَ يَوْمًا وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى وَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَقِيلَ: كَانَ مُوسَى قَدْ وَعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثُمَّ زِيدَتِ الْعَشَرَةَ فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَرَأَوُا الْعِجْلَ وسمعوا قول السامري، فعكف ثَمَانِيَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعِجْلِ يَعْبُدُونَهُ، وَقِيلَ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ وَحْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ، أَيْ: إِلَهًا مِنْ بَعْدِهِ، أَظْهَرَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ الذَّالَ مِنْ (أَخَذْتُ، وَاتَّخَذْتُ)، وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ: ضَارُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْمَعْصِيَةِ وَاضِعُونَ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ: مَحَوْنَا ذنوبكم، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: من عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
لِكَيْ تَشْكُرُوا عَفْوِي عَنْكُمْ وَصَنِيعِي إِلَيْكُمْ، قِيلَ: الشُّكْرُ هُوَ الطَّاعَةُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: شُكْرُ النِّعْمَةِ ذِكْرُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضُّحَى: ١١] .
قَالَ الْفُضَيْلُ: [شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْ لَا يُعْصَى اللَّهُ بَعْدَ تِلْكَ النِّعْمَةِ] [٧]، وَقِيلَ: حَقِيقَةُ الشُّكْرِ الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ، حُكِيَ أَنَّ مُوسَى ﵇ قَالَ: إِلَهِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ النِّعَمَ السَّوَابِغَ وَأَمَرَتْنِي بِالشُّكْرِ، وَإِنَّمَا شُكْرِي إِيَّاكَ نِعْمَةٌ مِنْكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ الذي لا يفوقه عِلْمٍ [٨]، حَسْبِي مِنْ عَبْدِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَهُوَ مِنِّي، وَقَالَ دَاوُدُ: سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِهِ شُكْرًا، كَمَا جَعَلَ اعْتِرَافَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَالْفُرْقانَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التَّوْرَاةُ أَيْضًا ذَكَرَهَا بِاسْمَيْنِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْفُرْقَانُ نَعْتُ الْكِتَابِ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، يَعْنِي: الكتاب الفرقان، أي:

(١) زيد في المطبوع.
(٢) وقع في كافة نسخ المطبوع والمخطوط «السامري» وهو سبق قلم من المصنف ﵀، والمثبت كتب الحديث والأثر.
والروايات ظاهرة في أن القائل هارون ﵇. انظر تفسير الطبري ٩٢٠ و٩٢٢ و٩٢٣ و٩٢٤ و«الدر المنثور» (٤/ ٥٤٥- ٥٤٧) .
(٣) في المخطوط «استعرتموه» .
(٤) في المخطوط «قال» .
(٥) في المطبوع «حفيرة» .
(٦) في المخطوط «فيه» .
(٧) ما بين المعقوفتين هكذا في نسخ المطبوع. وهي في المخطوط [شكر النعمة أن لا يعصي الله بعدها] . [.....]
(٨) زيد في المطبوع «شيء من» قبل لفظ «علم» .

1 / 117