Irshad Caql Salim
تفسير أبي السعود
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
البقرة (٨٨)
أتبعه إياه أي أرسلناهم على أَثَرِه كقوله تعالى ثُمَّ ﴿أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تترا﴾ وهم يوشَعُ وأشمَويلُ وشمعونُ وداودُ وسليمانُ وشَعْيا وأرميا وعُزيرٌ وحزْقيل وإلياسُ واليسعُ ويونسُ وزكريا ويحيى وغيرُهم عليهم الصلاة والسلام
﴿وآتينا عيسى ابن مريم البينات﴾ المعجزاتِ الواضحاتِ من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبارِ بالمغيّبات أو الإنجيلَ وعيسى بالسرناية إيشوُعُ ومعناه المبارك ومريم بمعنى الخادم وهو بالعبرية من النساء كالزير من الرجال وبه فُسر قولُ رؤبة
قلتُ لزيرٍ لم تصِلْه مَرْيمُه ... ضليلِ أهواءِ الصِّبا تندّمُهْ
ووزنه مِفْعل إذ لم يثبت فعيل
﴿وأيدناه﴾ أي قويناه وقرئ وآيدناه
﴿بِرُوحِ القدس﴾ بضم الدال وقرئ بسكونها أي بالروح المقدسة وهي روحُ عيسى ﵇ كقولك حاتمُ الجود ورجلُ صدقٍ وإنما وُصِفت بالقدْس لكرامته أو لأنه ﵇ لم تضمه الأصلابُ ولا أرحامُ الطوامِث وقيل بجبريلَ ﵇ وقيل بالإنجيل كما قيل في القرآن ﴿رُوحًا من أمرنا﴾ وقيل باسم الله الاعظم الذي كان يُحيي الموتى بذكره وتخصيصُه من بين الرسل ﵈ بالذكر ووصفُه بما ذكر من إيتاء البينات والتأييدِ بروح القدسِ لما أن بِعْثتَهم كانت لتنفيذ أحكامِ التوراة وتقريرِها وأما عيسى ﵇ فقد نُسخ بشرعه كثيرٌ من أحكامها ولحسم مادةِ اعتقادِهم الباطلِ في حقه ﵇ ببيان حقّيتِه وإظهارِ كمالِ قُبح ما فعلوا به ﵇
﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ﴾ من أولئك الرسل
﴿بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم﴾ من الحق الذي لا محيدَ عنه أي لا تحبُّه من هِويَ كفرح إذا أحب والتعبيرُ عنه بذلك للإيذان بأن مدارَ الردِّ والقبولِ عندهم هو المخالفةُ لأهواء أنفسِهم والموافقةُ لها لا شيءٍ آخرَ وتوسيطُ الهمزة بين الفاء وما تعلّقت به من الأفعال السابقةِ لتوبيخهم على تعقيبهم ذلك بهذا وللتعجيب من شأنهم ويجوز كونُ الفاءُ للعطف على مقدر يناسب المقام أي ألم تطيعوهم فكلما جاءكم رسولٌ منهم بما لا تهوى أنفسكم
﴿استكبرتم﴾ عن الاتباع له والإيمانِ بما جآء به من عند الله تعالى
﴿فَفَرِيقًا﴾ منهم
﴿كَذَّبْتُمْ﴾ منْ غيرِ أنْ تتعرضُوا لهم بشيء آخر من المضارِّ والفاءُ للسببية أو للتعقيب
﴿وَفَرِيقًا﴾ آخرَ منهم
﴿تَقْتُلُونَ﴾ غيرَ مكتفين بتكذيبهم كزكريا ويحيى وغيرهما ﵈ وتقديمُ فريقًا في الموضعين للاهتمام وتشويق السامعِ إلى ما فعلوا بهم لا للقصر وإيثارُ صيغةِ الاستقبالِ في القتل لاستحضار صورتِه الهائلةِ أو للإيماء إلى أنهم بعْدُ على تلك النية حيث همُّوا مما لم ينالوه من جهته ﵇ وسحروه وسمموا له الشاةَ حتى قال ﷺ ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري
﴿وَقَالُواْ﴾ بيانٌ لفنٍ آخرَ من قبائحهم على طريق الالتفاتِ إلى الغَيْبة إشعارًا بإبعادهم عن رُتبة الخِطاب لِمَا فُصِّل من مخازيهم الموجبةِ للإعراض عنهم وحكايةِ نظائرِها لكل من يفهم بُطلانها وقباحتَها من أهل الحق والقائلون هم الموجودون في عصر النبي ﵊
﴿قلوبنا غلف﴾ جمع أغلف مستعار من الأغلف الذي لم يُختَنْ أي مُغشّاة بأغشية جِبِلِّيةٍ لا يكاد يصل إليها ما جاء به محمدٍ ﷺ ولا تفقه كقولهم ﴿قلوبُنا فِى أكِنّة مِمَّا تدعونا إليه﴾ وقيل هو تخفيف غلف جمع غِلاف ويؤيده ما رُوي عن أبي عمرو من القراءة بضمتين يعنون أن قلوبنا أوعيةٌ للعلوم فنحن مستغنون بماعندنا عن
1 / 127