100
قوله : { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه } أي : نقضه { فريق منهم } يعني اليهود . { بل أكثرهم لا يؤمنون } كقوله : { فقليلا ما يؤمنون } [ البقرة : 88 ] .
قوله : { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم } يعني محمدا عليه السلام { نبذ } أي نقض { فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } أي كأنهم ليس عندهم من الله فيه عهد ، وعندهم من الله فيه العهد ، يعني من كفر منهم .
قوله : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } .
ذكر بعض المفسرين أن الشياطين ابتدعت كتابا فكتبت فيه سحرا وأمرا عظيما ، ثم أفشته في الناس وعلموهم [ إياه ] . فبلغ ذلك سليمان فتتبع تلك الكتب ، فدفنها تحت كرسيه كراهة أن يتعلمها الناس . فلما قبض الله سليمان عمدت الشياطين فاستخرجوها من مكانها وعلموها الناس ، وقالت : هذا علم كان سليمان يستأثر به ويكتمه . فعذر الله سليمان ، وأخبر أن الشياطين هي التي كتبت تلك الكتب . فقال : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } . أي من الكهانة والسحر ، { على ملك سليمان . وما كفر سليمان } . أي : وما كان ذلك عن مشورته ولا عن أمره ، ولا عن رضى منه ، ولكنه شيء افتعلته الشياطين دونه ، ولكن الشياطين الذين افتعلوا ذلك هم الذين كفروا يعلمون الناس السحر .
قال الكلبي : إن سليمان كان أصاب ذنبا فأحب الله أن يعجل عقوبته في الدينا . فابتلاه بما كان من أمر الشيطان الذي كان خلفه ، وذهب ملك سليمان . فلما انقضت المدة ونزلت رحمة الله عليه ألقى الله في نفس الناس استنكار الشيطان ، فمشوا إلى أصف ، أحد الثلاثة خزان بيت المقدس ، فقالوا : يا أصف ، إنا قد أنكرنا قضاء الملك وعلمه ، فلا ندري أنكرت ما أنكرنا أم لا . فقال نعم . ولكني سوف أدخل على نسائه ، فإن كن أنكرن منه مثل الذي أنكرنا فذلك أمر عم الناس ، فاصبروا حتى يكشف الله عنكم ، وإن لم ينكرن منه مثل الذي أنكرنا فهو أمر خصصنا به ، فادعوا الله لملككم بالصلاح والعافية . فانطلق أصف فدخل على نسائه ، فسألهن عنه ، فقلن : إن كان هذا سليمان فقد هلكنا وهلكتم . فخرج أصف إلى الناس فأخبرهم ، فدعوا الله ربهم أن يكشف عنهم .
فلما رأت الشياطين الذي فيه الناس من الغفلة كتبوا سحرا كثيرا على لسان أصف ، ثم دفنوه في مصلى سليمان وفي بيت خزانته وتحت كرسيه وضربوا عنه .
وفشا الاستنكار من الناس للشيطان وانقضت أيامه ، ونزلت الرحمة من الله لسليمان . فعمد الشيطان إلى الخاتم فألقاه في البحر . فأخذه حوت من حيتان البحر . وكان سليمان يؤاجر نفسه من أصحاب السفن ، ينقل السمك من السفن إلى البر ، على أن له سمكتين كل يوم .
Page 43