وذلك لغلبة أحكام بعض المواطن واحتجاب بعض المجالي عن بعض في نظره، ومن هذا الاحتجاب ينشأ الإختلاف بين الناس في العقائد، فينكر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، وكل أحد يثبت للحق ما ينفيه الآخر، ويظن ما يراه، ويعتقد غاية الإجلال والتعظيم له تعالى وينكر غير ذلك، وقد أخطأ وأساء الأدب في حق الحق وهو عند نفسه أنه قد بلغ الغاية في المعرفة والتأدب، وكذلك كثير من أهل التنزيه، لغلبة أحكام التجرد عليهم، فهم محتجبون كبعض الملائكة بنور التقديس، وهم في مقابلة المشبهة المحتجبة بظلم التجسيم كالحيوانات.
وأما الإنسان الكامل، فهو الذي يعرف الحق بجميع المشاهد والمشاعر، ويعبده في جميع المواطن والمظاهر، فهو عبد الله يعبده بجميع أسمائه وصفاته، ولهذا سمي بهذا الاسم أكمل أفراد الإنسان محمد (صلى الله عليه وآله)، فإن الاسم الإلهي، كما هو جامع لجميع الأسماء، وهي تتحد بأحديته الجمعية، كذلك طريقه جامع طرق الأسماء كلها وإن كان كل واحد من تلك الطرق مختصا باسم يرب مظهره ويعبد ذلك المظهر من ذلك الوجه، ويسلك سبيله المستقيم الخاص به، وليس الطريق الجامع لطرق سائر المظاهر إلا ما سلكه المظهر الجامع النبوي الختمي - على الشارع فيه وآله أفضل صلوات الله وتسليماته - وسلكه خواص أمته الذين هم خير الأمم، وهو طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء والأولياء سلام الله عليهم أجمعين.
ويؤيد ذلك ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه لما أراد أن يبين ذلك للناس، خط خطا مستقيما، ثم خط من جانبيه خطوطا خارجة من ذلك الخط، وجعل الأصل الصراط المستقيم الجامع، وجعل الخطوط الخارجة منها سبل الشيطان، كما قال تعالى:
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
[الأنعام:153]. يعني السبيل التي لكم فيها السعادة والنجاة، وإلا فالسبل كلها إليه لأن الله منتهى كل قصد وغاية كل مقصود، ولكن ما كل من رجع إليه وآب سعد ونجى عن التفرقة والعذاب فسبيل السعادة واحدة،
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني
[يوسف:108]
وأما سائر السبل، فغايتها كلها إلى الله أولا ثم يتولاه الرحمن آخرا ويبقى حكم الرحمن فيها إلى الأبد الذي لا نهاية لبقائه وهذه مسألة عجيبة لم أجد على وجه الأرض من عرفها حق المعرفة.
فصل
الله و " هو "
Unknown page