60

ومما يؤيد هذا ما ذكره الشيخ المحقق في الباب الرابع والثمانين ومأتين من الفتوحات حيث قال: اعلم أن الروح الإنساني أوجده الله منذ أوجده مدبرا لصورة طبيعية حسية له، سواء كان في الدنيا، أو في البرزخ، أو في الدار الآخرة، أو حيث كان.

فأول صورة لبسها، الصورة التي أخذ عليه فيها الميثاق بالإقرار بربوبية الحق عليه، ثم إنه حشر من تلك الصورة الى هذه الصورة الجسمية الدنيوية، وحبس بها في رابع شهر من تكوين صورة جسده في بطن أمه إلى ساعة موته، فإذا مات حشر الى صورة اخرى من حين موته إلى سؤاله، فإذا جاء وقت سؤاله، حشر من تلك الصورة الى صورة جسده الموصوف بالموت، فيحيى به، ويؤخذ بأسماع الناس وأبصارهم عن حياته بذلك الروح، إلا من خصه الله بالكشف على ذلك من نبي أو ولي من الثقلين.

وأما سائر الحيوان، فإنهم يشاهدون حياته وما هو فيه عينا، ثم يحشر بعد السؤال إلى صورة أخرى في البرزخ يمسك فيها، بل تلك الصورة [هي] عين البرزخ، والنوم والموت في ذلك على السواء إلى نفخة البعث، فينبعث من تلك الصورة ويحشر الى الصورة التي فارقها في الدنيا، إن كان بقي عليه سؤال. فإن لم يكن من أهل ذلك الصنف، حشر في الصورة التي يدخل بها الجنة.

والمسؤول يوم القيامة أيضا إذا فرغ من سؤاله، حشر الى الصورة التي يدخل بها الجنة أو النار.

وأهل النار كلهم مسؤولون، فإذا دخلوا الجنة واستقروا فيها، ثم دعوا الى الرؤية ونودوا، حشروا في صورة لا تصلح إلا للرؤية، فإذا عادوا حشروا في صورة تصلح للجنة، وفي كل صورة يحشر ينسئ الصورة السابقة التي كان عليها، ويرجع حكمه الى حكم الصورة التي انتقل إليها وحشر فيها.

فإذا دخل سوق الجنة، ورأى ما فيه من الصور، فأية صورة رآها واستحسنها حشر فيها، فلا يزال في الجنة دائما يحشر من صورة الى صورة إلى ما لا نهاية له ليعلم بذلك الاتساع الإلهي، فكما لا تتكرر عليه صورة التجلي، كذلك يحتاج هذا المتجلى له أن يقابل كل صورة تتجلى له بصورة اخرى ينظر إليه في تجليه، فلا يزال يحشر في الصور دائما يأخذها من سوق الجنة، ولا يقبل من تلك الصور التي في السوق ولا يستحسن منها إلا ما يناسب صورة التجلي الذي يكون في المستقبل، لأن تلك الصورة هي كالاستعداد الخاص لذلك التجلي - فاعلم هذا فإنه من لباب المعرفة الإلهية -.

ولو تفطنت لعلمت أنك الآن كذلك تحشر في كل نفس في صورة الحال التي أنت عليها، ولكن يحجبك عن ذلك رؤيتك المعهودة، وإن كنت تحس بانتقالك في أحوالك التي عنها تتصرف في ظاهرك وباطنك، ولكن لا تعلم انها صور لروحك تدخل فيها في كل آن، وتحشر فيها، ويبصرها العارفون صورا صحيحة [ثابتة] ظاهرة العين.

انتهى كلامه الشريف النوري، وفيه من الفوائد الكشفية مما لا يمكن وصفه فضلا وشرفا، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين.

وأما الحركة الإرادية للإنسان إلى الله، فهي حركة في الكيف النفساني، معدة له في سرعة اللحوق له إلى الله من جهة استكمال كلا جزئيه العلمي والعملي بواسطة الأفكار والأذكار الملطفة له والأعمال والأفعال المقربة إياه الى الله، وجنس هذه الحركة مما يتطرق فيه الصواب والخطأ، والاستقامة على الصراط والضلال ، بخلاف الحركة الأولى، لكونها جوهرية ذاتية متوجهة شطر كعبة الحق لا يتصور فيها الخطأ والانحراف، والانتكاس، ولا تكون إلا على وجه الصواب والاستقامة، كما في قوله:

ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات

Unknown page