Tafsīr Ṣadr al-Mutaʾallihīn
تفسير صدر المتألهين
Genres
وقد قال (صلى الله عليه وآله):
" إن الأنبياء (عليهم السلام) يوم القيامة إذا سئلوا في الشفاعة قالوا: إن الله قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله "
، وهو من أرجى حديث يعتمد عليه في هذا الباب أيضا، فإن اليوم المشار اليه - وهو يوم القيامة - هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين، وفيه يكون الغضب من الله على أهل الغضب، وأعطى حكم ذلك الغضب الأمر بدخول النار، وحلول العذاب والانتقام من المشركين وغيرهم من القوم الذين يخرجون بالشفاعة، والذين يخرجهم الرحمن كما ورد في الصحيح، ويدخلهم الجنة إذا لم يكونوا من أهل النار - الذين هم أهلها - ولم يبق في النار إلا أهلها الذين هم أهلها، فعم الأمر بدخول النار كل من دخل فيها من أهلها ومن غير أهلها لذلك الغضب الإلهي الذي لن يغضب مثله بعده، فلو سرمد عليهم العذاب لكان ذلك عن غضب أعظم من غضب الأمر بدخول النار.
وقد قالت الأنبياء: إن الله لا يغضب بعد ذلك مثل ذلك الغضب، ولم يكن حكمه إلا الأمر بدخول النار، فلا بد من حكم الرحمة على الجميع، ويكفي من الشارع التعريف بقوله: " وأما أهل النار الذين هم أهلها " ولم يقل أهل العذاب.
ولا يلزم من كان من أهل النار الذين يعمرونها أن يكونوا معذبين بها، فإن أهلها وعمارها مالك وخزنتها، وهم ملائكة، وما فيها من الحشرات والحيات وغير ذلك من الحيوانات التي تبعث يوم القيامة - ولا واحد منها يكون النار عليه عذابا - كذلك من يبقى فيها، لا يموتون فيها ولا يحيون، وكل من ألف موطنه كان به مسرورا، وأشد العذاب مفارقة الوطن، ولو فارق النار أهلها، لتعذبوا باغترابهم عما أهلوا له، وأن الله قد خلقهم عل نشأة تألف ذلك الموطن.
فعمرت الداران، وسبقت الرحمة الغضب، ووسعت كل شيء - جهنم ومن فيها - والله أرحم الراحمين كما قال في نفسه.
وقد وجدنا في نفوسنا ممن جبلهم الله على الرحمة، أنهم يرحمون جميع عباد الله، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم، مما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم، وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي - ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض - وقد قال عن نفسه جل علاؤه: انه ارحم الراحمين، فلا يشك أنه أرحم منا بخلقه، ونحن عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة فكيف يتسرمد العذاب عليهم وهو بهذه الصفة العامة؟ إن الله أكرم من ذلك، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات، وأن كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه، وأن الخلق مجبورون في اختيارهم.
وقد قام الدليل السمعي على أن الله يقول في الصحيح: " يا عبادي " فأضافهم الى نفسه، وما أضاف قط العباد الى نفسه إلا من سبقت له الرحمة، وأن لا يؤبد عليهم الشقاء فقال:
" يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص من ملكي شيئا ".
فقد أخبر بما دل عليه العقل، أن الطاعات والمعاصي ملكه، وأنه على ما هو عليه لا يتغير ولا يزيد ولا ينقص ملكه مما طرأ عليه وفيه، فإن الكل ملكه وملكه .
Unknown page