Tafsīr Ṣadr al-Mutaʾallihīn
تفسير صدر المتألهين
Genres
[الأعراف:38 - 39]. وقالوا:
ربنا هؤلاء أضلونا
[الأعراف:38 - 39] يعني: من كان بينهم رئيسا ومقتدى في رأيهم في الضلال، وقيل لهم:
فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون
[الأعراف:38 - 39].
وبظهور هذه الآراء الفاسدة، والبدع الخبيثة، والأهواء الردية، انطمس أهل الحق وضاعت السير الفاضلة، وغابت العلوم الإلهية من بين الخلق، وصارت كأن لم تكن شيئا مذكورا.
وهذه الآراء والأهواء كثيرة كلها من هذا القبيل، وستعلم وجه بطلانها مع هذه الشهرة العظيمة للقائلين بها، والرواج لها، حيث ترى الكتب الكلامية وغيرها مشحونة بذكرها وذكر نظائرها، ونسبة قائلها الى الفضل والبراعة، والخوض في تحقيق أصول الشريعة وفروعها بهذه الكلمات الواهية والآراء العاطلة.
فكانوا يتصدون في المجالس، ويتفاخرون على الأماثل، ويعينون بالأنامل، وبضاعتهم في العلم والمعرفة، ورأس مالهم في الفضيلة أمور لا تفيد علما ولا تنتج فائدة. مثل كلامهم في الطفرة والتفكيك، وسكون المتحرك، والتداخل، وشيئية المعدوم وإعادته، ونفي الجزء وإثبات الخلاء، وإنكار الروح، ونفي التوحيد، وإثبات الكثرة على الله، وتجويز الرؤية له، وخلق الأعمال، ونفي القدرة عن العبد، ونفي الوجود الذهني؛ وانكار عالم الملكوت والنشأة الباقية، وجوهرية الطعوم والروائح بل رؤيتها، الى غير ذلك من المسائل المموهة المزخرفة التي لا حقيقة لها ولا وجود إلا في الأوهام الكاذبة، لا تصح لمدع فيها حجة ولا لسائل عنها برهان.
وثلة من الأولين منهم قد بقوا في هذا الزمان، شاهدناهم يخوضون في الثواني والمعقولات، وهم لا يعرفون الأوائل والمحسوسات، ويتعاطون البراهين من غير ممارسة علم المنطقيات، ويتكلمون في الإلهيات، وهم يجهلون الطبيعيات، وإذا سئلوا عن أشياء مقرون بها عند أكثر الناس، لا يحسنون أن يجيبوا عنها.
وإذا استقصى عليهم السؤال والبحث، فكلامهم فيها أوهن من بيوت العنكبوت، ويأبون أن يقولوا: لا ندري، الله ورسوله وأولياؤه أعلم، بل يلجون في خيالاتهم الواهية وهي طغيانهم يعمهون.
Unknown page