Tafsīr Ṣadr al-Mutaʾallihīn
تفسير صدر المتألهين
Genres
فسر الصلاة التي هي عماد الدين؛ هو العلم بوحدانية الله، ووجوب وجوده وتنزه ذاته، وتقدس صفاته، وإحكام أفعاله، ونفاذ أمره في خلقه، وجريان قضائه في قدره، وقلمه في لوحه، وتعلق عنايته ورحمته بعباده، وإنزال كتبه على رسله، ورجوع العباد في معادهم اليه، يوم مثول الأرواح والنفوس بين يديه، وقيام صفوف الملائكة والروح لديه. مع الإخلاص له بالعبودية. وأعني بالإخلاص؛ أن يعبد الله بلا مشاركة أحد، وأن يعلم ذاته وصفاته وأفعاله بحيث لا يبقى للكثرة فيه مشرعا، ولا للاضافة اليه مترعا.
ومن فعل هذا فقد أخلص وصلى، وما ضل وما غوى، ومن لم يفعل هكذا فقد افترى وعصى، والله أجل من ذلك وأعلى وأغنى.
مكاشفة اخرى
في مبدأ وجوب هذا التعبد الروحاني
إن هذه الصلاة قد وجبت على سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) في ليلة مباركة، قد صعد الى العالم العلوي، وتجرد عن بدنه، وتنزه عن أهله، ولم يبق معه من آثار الحيوانية شهوة، ولا من لوازم الطبيعة قوة، ولا من الدواهي النفسانية بقية.
فناجى ربه بقلبه وروحه عند طرح قالبه وبدنه في آخر منازل الجسمية، فقال - كما روي عنه (صلى الله عليه وآله):-
" إني وجدت لذة غريبة في ليلتي هذه، فأعطني يا رب هدى، ويسر علي طريقا يوصلني كل وقت الى لذتي، فأمره الله بالصلاة فقال: يا محمد، المصلي مناج ربه ".
ولا يخفى على العاقل المتأمل، ان مناجاة الله لا تكون بالأعضاء البدنية، ولا بالألسن الجمسانية، لأن هذه المكالمة إنما تصلح لمن يحويه مكان وتقترن به حركة وزمان، أما الواحد المقدس الخارج عن عالم المحسوس والحس الذي لا يحيط به مكان ولا يحويه زمان، ولا يعتريه تجدد وتغير، ولا يشار اليه بجهة من الجهات، ولا يختلف حكمه في صفة من الصفات، فكيف يعاينه الإنسان المشكل المجسم المحدود بجسمه، المقيد المحصور بحسب قوله وفعله وشعوره وحسه؟
وكيف يناجي في هذا العالم المركب الخروب، من لا يعرف حدود جهاته ولا يرى جناب صفاته.
فإن الوجود المطلق عن عالم المثل والمحسوسات، بل المرتفع عن إمكان الأرواح والعقليات، غائب عن الحواس، غير مشار إليه بالأخماس، ولا يدرك بالإلماس، ومن عادة الجسم والجسمي، أن لا يناجي ولا يجالس الا من يراه بالبصر، ويحسه بالحس، ويدركه بإحدى الخمس. وإذا لم ينظر إليه ولم يشاهده يعده غائبا، ويكون بفقده عن المشاعر خائبا.
Unknown page