[54 - سورة القمر]
[54.1-6]
{ اقتربت الساعة } أي قربت القيامة بخروج خاتم الأنبياء وآخر الأمم، وقيل: اقتربت ساعتهم يوم بدر فإنهم يهلكون بالسيف { وانشق القمر } بمكة، قال ابن عباس: انفلق فلقتين وانشقاقه من آيات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعجزاته النيرة، عن أنس: أن الكفار سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية فانشق القمر مرتين، وكذا عن ابن عباس، قال ابن عباس انفلق فلقتين: فلقة ذهبت وفلقة بقيت، وقيل: انشق القمر بمكة فلقتين: فلقة فوق الجبل والأخرى أسفل من الجبل { وإن يروا آية } أي معجزة وحجة على صدقه { يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } قيل: ذاهب مضمحل ولا يبقى، وقيل: سحر مستمر من الأرض إلى السماء { وكذبوا بآيات الله } التي أنزلها، وقيل: بالقرآن، وقيل: بمحمد { واتبعوا أهواءهم } بالتكذيب { وكل أمر مستقر } أي كل أمر لا بد أن يصير إلى غاية يستقر عليها حاله خذلان أو نصرة في الدنيا وشقاوة في الآخرة وإن أمر محمد سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق، وقيل: مستقر حتى يجازى به في الجنة أو النار، معناه يستقر بأهل الخير الخير وبأهل الشر الشر والعذاب { ولقد جاءهم } يعني أهل مكة ومن حولهم { من الأنباء } قيل: من أخبار الأمم الذين هلكوا بأنواع العذاب ما فيه كفاية في الزجر عن الكفر والمعاصي، وقيل: هو القرآن الذي جاءكم فيه من الحكمة البالغة والعظة الباهرة ما فيه كفاية { ما فيه مزدجر } متناهي { حكمة بالغة } يعني القرآن فإنه لا تناقض فيه { فما تغن النذر } مع تكذيبهم وأعراضهم، والنذر الزواجر والوعد والوعيد، وقيل: الرسل { فتول عنهم } أي أعرض عنهم إذا تعرضوا لشفاعتك { يوم يدع الداع } وهو يوم القيامة فلا تشفع لهم لأنهم لم يقبلوا منك، وقيل: { فتول عنهم } فإنهم يوم يدع الداعي صفتهم هاتين، ولا خلاف أن اليوم القيامة والداعي اسرافيل وجبريل { إلى شيء نكر } غير معتاد وهو القيامة وأهوالها.
[54.7-23]
{ خشعا أبصارهم } وقرأ خاشعا أي خاضعا ذليلا { يخرجون من الأجداث } من القبور سراعا إلى المحشر { كأنهم جراد منتشر } منبت حيارى { مهطعين } مسرعين { إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر } أي شديد { كذبت قبلهم قوم نوح } قيل: أهل مكة { فكذبوا عبدنا } نوحا { وقالوا مجنون } أي هو مجنون { وازدجر } قيل: زجرا بالشتم والرمي بالقبيح، وقيل: زجرا بالوعيد { فدعا ربه أني مغلوب } ضعيف غلبني هؤلاء السفهاء { فانتصر } فانتقم بالنصر ثم بين تعالى كيف أجاب دعاء نوح وكيف أهلك قومه فقال سبحانه: { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر } شديد الانصباب لم يقلع ولم ينقطع أربعين يوما، وقيل: سائل { وفجرنا الأرض } أي شققنا الأرض بالماء { عيونا } حتى جرى الماء على وجه الأرض { فالتقى الماء } أي ماء السماء وماء الأرض { على أمر قد قدر } فيه هلاك القوم على أمر قد قدره الله تعالى وهو هلاكهم، وقيل: على أمر قدره الله تعالى وعرف تقديره لا زيادة فيه ولا نقصان، وقيل: ماء السماء وماء الأرض { وحملناه } أي نوحا ولم يذكر القوم لأنهم تبع له { على ذات ألواح ودسر } المسامير التي شد بها السفينة { تجري بأعيننا } بحفظنا { جزاء لمن كان كفر } قيل: لنوح وتقديره كمن كفر بنبوته وأنكر حقه وكفر بالله، يعني أغرقناهم بكفرهم بالله، وقيل: بكفرهم بنوح { ولقد تركناها آية } يعني السفينة ونجاة من فيها { فهل من مدكر } أي متعظ وخائف ينزل به مثل ما نزل بأولئك، وقيل: هل من طالب عليهم ليعان عليه، ومتى قيل: لماذا أعاد فهل من مدكر؟ قلنا: أراد بالأول الاعتبار بأحوال المعذبين وبالناجين والثاني التذكر بمواعظ القرآن فلم يكن تكرار { فكيف كان عذابي ونذر } أي انذاري فكيف رأيتم انتقامي منهم { ولقد يسرنا القرآن للذكر } أي سهلنا للذكر لكي يتفكر فيه من تذكر متعظ { كذبت عاد } وهم قوم هود { فكيف كان عذابي ونذر } أي إنذاري { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } أي شديد الهبوب { في يوم نحس } أي يوم شؤم { مستمر } استمر بهم العذاب إلى نار جهنم، وقيل: استمرت بهم سبع ليال وثمانية أيام { تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر } قيل: تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم، وشبههم بالنخل بقوله: { منقعر } منقلع عن مغارسه، وقيل: لأن الريح تقلع رؤوسهم وتبقى أجساد بلا رؤوس { فكيف كان عذابي ونذر } { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } متعظ ومعتبر { كذبت ثمود بالنذر } وهم قوم صالح { فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه } فقالوا: إنه بشر فلم خص بالنبوة دوننا نتبعه { إنا إذا لفي ضلال وسعر } يعني ان اتبعناه كنا في ذهاب عن الحق والصواب، وقيل: في ضلال، وسعر قيل: في عذاب، وقيل: في هلاك.
[54.24-40]
{ أؤلقي الذكر عليه من بيننا } يعني كيف ألقي الوحي اليه من بيننا مع استوائنا في الأحوال، وقيل: كيف أوحي اليه مع فقره وقلة جاهه ونحن رؤساء متبعون { بل هو كذاب أشر } مبالغة أشر قيل: بطر لا يبالي ما يقول: { سيعلمون غدا } إذا نزل بهم { من الكذاب الأشر } { إنا مرسلو الناقة } أي باعثوها بانشائها على ما طلبوها معجزة لصالح وقطعا لعذرهم { فتنة لهم } أي امتحانا واختبارا { فارتقبهم } أي انتظر أمر الله فيهم { واصطبر } أي اصبر على آذائهم حتى يأتي أمر الله فيهم { ونبئهم } أي أخبرهم { أن الماء قسمة بينهم } بين الناقة وبين قوم صالح يوم لهم ويوم لها { كل شرب } نصيب من الماء { محتضر } يحضره من كان يومه ففي يوم الناقة وفي يومهم يحضرون الماء { فنادوا صاحبهم } دعاء أهل البلد واحدا منهم وهو من أسرارهم قذار بن سالف أشقاء ثمود { فتعاطى } أي تناول الناقة بسيفه فعقرها { فكيف كان عذابي ونذر } إياهم { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة } صاح بها جبريل { فكانوا كهشيم المحتظر } وهو الشجر اليابس المتهشم بعدما كان أخضرا، المحتظر بفتح الظاء، وأراد الحظيرة، وقرأ الباقون بكسر الظاء وأرادوا صاحب الحظيرة، وقيل: كحشيش يابس يجمعه المحتظر لغنمه فتأكل الغنم عن أبي علي، وقيل: كشراب الحظيرة { ولقد يسرنا القرآن للذكر } سهلنا القرآن للذكر { فهل من مدكر } متعظ، ثم بين قصة لوط وقومه فقال سبحانه: { كذبت قوم لوط بالنذر } بالآيات المشتملة على الوعيد { إنا أرسلنا عليهم حاصبا } قيل: ريحا رمتهم بالحجارة وحصبتهم بها، وقيل: الحجارة لمن كان خارج البلد، وأما أهل البلد فانقلبت بهم { إلا آل لوط } من كان تبعا له وعلى دينه { نجيناهم بسحر } أي وقت السحر أمر الله تعالى جبريل فأخرجهم وترك فيها امرأته لأنها كانت كافرة { نعمة من عندنا } عليهم حيث نجيناهم وأهلكنا أعداءهم { كذلك نجزي من شكر } يعني نكافئ من شكر بنعمتنا { ولقد أنذرهم بطشتنا } أي خوف لوط قومه بأخذ الله إياهم ان لم يؤمنوا { فتماروا بالنذر } جادلوا بالباطل واستهزؤا بالآيات { ولقد راودوه عن ضيفه } أي طلبوا أن يخلي بينهم وبين ضيفه وهم الملائكة النازلون بهم على صورة الغلمان { فطمسنا أعينهم } قيل: محونا، وقيل: عميت أبصارهم، وقيل: مسح جبريل وجوههم وأعماهم { فذوقوا عذابي ونذر } أي تخويفي وما كنت أنذركم وأوعدكم قيل: الملائكة قالوا: ذوقوا عذاب الله، وقيل: الله قال لهم: ذلك الحال ذوقوا وهو الظاهر { ولقد صبحهم بكرة } أي نزل بهم صباحا { عذاب } وهو الانقلاب والحجارة { مستقر } قيل: استقر بهم العذاب إلى يوم القيامة، وقيل: استقر بهم حتى هلكوا { فذوقوا عذابي ونذر } وقيل: لهم ذلك الحال، ومتى قيل: لم كرر ذوقوا عذابي ونذر قالوا: الأول عند الطمس والثاني عند الانقلاب مما يحدد العذاب يحدد التقريع { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } متعظ بذلك.
[54.41-55]
{ ولقد جاء آل فرعون } أي قومه الذين اتبعوه في دينه { النذر } الآيات، وقيل: الرسل موسى وهارون { كذبوا بآياتنا كلها } بالآيات التسع التي جاء بها موسى، وقيل: بجميع الآيات لأن التكذيب ببعضها تكذيب بكلها { فأخذناهم } بالعذاب { أخذ عزيز } قادر ولا يمتنع عليه شيء { مقتدر } على ما يشاء ثم خوف قومه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينزل بهم مثل ذلك، فقال: { أكفاركم خير من أولئكم } أي ليس كفار قريش خير من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم لا في القوة ولا في العدد { أم لكم براءة في الزبر } من العذاب في الكتب السابقة وهذا إنكار، أي ليس لهم ذلك { أم يقولون نحن جميع منتصر } أي كما ليسوا بخير من أولئك ولا لهم براءة كذلك لا جمع لهم يمنعهم عذابي وينصرهم { سيهزم الجمع } يعني وإن جمعوا الجموع فإن الله يهزمها { ويولون الدبر } قيل: يوم بدر { بل الساعة موعدهم } يعني يوم القيامة موعدهم جميعا { والساعة أدهى } سميت بذلك لسرعة مجئيها إذ هي أعظم بلية وأشد مرارة من عذاب يوم بدر لأن عذاب النار يدوم { إن المجرمين } إلى آخر السورة نزلت في وفد نجران، وقيل: في القدرية من هذه الأمة وعن كعب نجد في التوراة أن القدرية { يسحبون } { على وجوههم } في النار، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لعنت القدرية والمرجئة على لسان سبعين نبيا " ، قيل: يا رسول الله ومن القدرية؟ قال: " قوم يعملون المعاصي يقولون الله قدرها عليهم " قيل: ومن المرجئة؟ قال: " هم قوم يقولون الايمان بلا عمل وقد علمنا أن المحبرة أعداء الرحمان وشهود الشيطان "
Unknown page