246

Tafsir

تفسير الأعقم

Genres

{ ولقد نادانا نوح } يعني لما آيس من إيمان قومه دعى الله { فلنعم المجيبون } يعني أنه أسرع بالإجابة { ونجيناه وأهله } وهم المؤمنون { من الكرب العظيم } ، قيل: من أذى قومه، وقيل: هو الغرق { وجعلنا ذريته هم الباقين } بعد الغرق { وتركنا عليه في الآخرين } من الأمم هذه الكلمة وهي: { سلام على نوح في العالمين } { إنا كذلك نجزي المحسنين } نكافئهم بإحسانهم { إنه من عبادنا المؤمنين } { ثم أغرقنا الآخرين } يعني كفار قومه { وإن من شيعته لإبراهيم } أي على منهاج نوح وهو ممن شايعه على أصول الدين وإن اختلفت شرائعهما، ويجوز أن بين شريعتهما اتفاق في أكثر الأشياء، وعن ابن عباس: من أهل دينه وسنته، وما كان بين نوح وإبراهيم إلا نبيان هود وصالح (عليهم السلام) وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة { إذ جاء ربه بقلب سليم } من جميع آفات القلوب، وقيل: من الشرك، ولا معنى للتخصيص لأنه مطلق { إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون } فأراد به التوبيخ لعلمه بأنهم يعبدون الأصنام { أئفكا آلهة دون الله تريدون } { فما ظنكم برب العالمين } يعني فما ظنكم بمن هو الحقيق بالعبادة؟ لأن من كان ربا للعالمين استحق عليكم أن تعبدوه حتى تركتم عبادته إلى عبادة الأصنام، أو فما ظنكم به أي شيء هو من الأشياء حتى جعلتم الأصنام له أندادا، فما ظنكم بذلك؟ { فنظر نظرة في النجوم } في علم النجوم، أو في كتابها، أو في أحكامها { فقال إني سقيم } أي مشارف للسقم وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وقيل: سقيم بما أرى من أحوالكم القبيحة، في عبادة غير الله، وقيل: مات رجل فالتفت عليه الناس فقالوا: مات وهو صحيح، فقال الاعرابي: أصحيح من الموت في عنقه؟ وروي عن ابن عباس وجماعة أنه كان لهم عيد وكانوا يقربون للأصنام قبل الخروج وإذا رجعوا أكلوه فدعوه ليأكل معهم { فقال إني سقيم } فتركوه { فتولوا عنه مدبرين } معرضين مولين { فراغ إلى آلهتهم } أي مال على رغمهم، قيل: كانت اثنين وسبعين صنما أكثرهم من ذهب { فقال ألا تأكلون } { ما لكم لا تنطقون } استهزاء بها وبانحطاطها عن حال عبدتها { فراغ عليهم ضربا باليمين } ضربا قويا شديدا، وقيل: بسبب الحلف وهو قوله:

وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين

[الأنبياء: 57] { فأقبلوا إليه يزفون } يسرعون من عيدهم إلى ابراهيم، وقيل: إلى بيت الأصنام بعد الفراغ من عيدهم وقالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فأجابهم، و { قال أتعبدون ما تنحتون } يعني كيف ترضون لأنفسكم أن تنحتون صنما من خشب تعبدونه { والله خلقكم وما تعملون } يعني خلقكم وما تعملون من الأصنام، ولم يرد الأعمال، لأن المعبود هي الأصنام دون عملهم، ولأنه احتج عليهم، والعجب من المجبرة كيف هم يحرفون، { قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم } النار الشديدة الوقود، وقيل: كل نار على نار وجمر فوق جمر فهو جحيم ، وذلك أن القوم لما عجزوا عن الحجة عدلوا إلى الوعيد تلبيسا على العوام.

[37.98-113]

{ فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين } حيلة وتدبيرا، فنجاه الله منه ومنع النار من الإحراق { وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } إلى حيث أمره بالمهاجرة منكم إليه إلى أرض الشام، وقيل: إلى الأرض المقدسة، وقيل: أول من هاجر إبراهيم { رب هب لي من الصالحين } أي أعطني ولدا صالحا من جملة الصالحين { فبشرناه بغلام حليم } أي يكون حليما { فلما بلغ معه السعي } أي اتخذ الذي يقدر معه على السعي، وقيل: السعي في طاعة الله، وقيل: بلغ مبالغ الرجال، وقيل: كان ثلاث عشرة سنة { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك } اختلفوا في الذبيح قيل: هو اسحاق ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف بن يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله ابن ابراهيم خليل الله، وقيل: هو اسماعيل عن ابن عباس، قال القاضي: وهو الصحيح لأنه قال بعد قصة الذبح وبشرناه بإسحاق، وقد دل عليه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

" أنا ابن الذبيحين "

قيل: رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له: إن الله يأمرك بذبح ولدك هذا، فلما أصبح تروى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان؟ فسمي يوم التروية فلما أمسى رأى مثل ذلك، فعرف أنه من الله، ثم سمي يوم عرفة، ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فسمي يوم النحر وروي أن الملائكة حين بشرته قال: هو إذن ذبيح الله، فلما ولد وبلغ معه حد السعي قيل له: أوف بنذرك، وقوله: { فانظر ماذا ترى } من الرأي على وجه المشاورة { قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين } ، وقيل: إنه رأى قائلا يقول له: اذبح ابنك، ورؤيا الأنبياء وحي كاليقظة { فلما أسلما } أخلص نفسه وجعلها خالصة لله سالمة، وعن قتادة: أسلم هذا ابنه وهذا نفسه، وقيل: أسلما انقادا وخضعا لأمر الله { وتله للجبين } صرعه على شقه فوقع أحد جنبيه على الأرض، وروي أن ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى، وعن الحسن: في الموضع المشرف على مسجد منى، وعن الضحاك: في المنحر الذي ينحر فيه اليوم { وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا } أي فعلت ما أمرت به { إنا كذلك نجزي المحسنين } { إن هذا لهو البلاء المبين } أي الاختبار العظيم الذي تميز فيه المخلصون من غيرهم، والمحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها { وفديناه بذبح عظيم } اسم لما ذبح، وفي رواية عن ابن عباس: هو الكبش الذي قربه هابيل وقبل به وكان يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل، وعن ابن عباس: لو تمت تلك الذبيحة لصارت سنة وذبح الناس أبناءهم، وروي أنه هرب من ابراهيم عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فبقيت سنة في الرمي، وروي أنه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده، وروي أنه لما ذبح قال جبريل (عليه السلام): الله أكبر الله أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا الله والله أكبر، فقال ابراهيم: والله أكبر ولله الحمد، فبقي سنة، وحكي في قصة الذبيح أنه حين أراد ذبحه قال: يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى الشعب نحطب، وروي أنه قال: أشدد رباطي لا أضطرب، واكفف عني ثيابك لا ينتضح عليها من دمي شيء فينتقص من أجري فتراه أمي فتحزن، وأشحذ شفرتك وأسرع إمرارها على حلقي فإن الموت شديد، ثم أقبل عليه يقبله، وقد ربطه وهما يبكيان، ووضع السكين على حلقه فلم تعمل، لأن الله ضرب صفيحة من نحاس على حلقه، فقال له: كبني على وجهي لئلا ترحمني، فوضع السكين على قفاه فانقلبت السكين ونودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، فنظر فإذا جبريل معه كبش أقرن أملح فكبر جبريل والكبش وابراهيم وابنه وأتى المنحر من منى فذبحه { وبشرناه بإسحاق نبيا } ، قيل: هو من بشارة الولد، وقيل: بنبوته { وباركنا عليه وعلى إسحاق } أي أنعمنا عليهما { ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه } بالمعاصي { مبين } أي بين.

[37.114-138]

{ ولقد مننا على موسى } أي أنعمنا على موسى { وهارون } { ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم } وهو استعباد فرعون إياهم { ونصرناهم } على أعدائهم { فكانوا هم الغالبين } { وآتيناهم الكتاب المستبين } الواضح يعني التوراة { وهديناهما الصراط المستقيم } وهو دين الإسلام { وتركنا عليهما في الآخرين } ، قيل: أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { سلام على موسى وهارون } { إنا كذلك نجزي المحسنين } { إنهما من عبادنا المؤمنين } { وإن الياس لمن المرسلين } وهو إدريس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرأ ابن مسعود: وإن إدريس مكان الياس، وقيل: هو الياس بن ياسين من ولد هارون أخ موسى { إذ قال لقومه ألا تتقون } عذاب الله { أتدعون بعلا } وهو اسم الصنم الذي كان لهم، وروي أنه كان من ذهب طوله عشرون ذراعا وله أربعة أوجه، وروي أن الشيطان كان يدخل في جوفه ويتكلم بشريعة الضلالة، وبه سميت مدينتهم في بلاد الاسلام { وتذرون أحسن الخالقين } فلا تعبدونه { الله ربكم ورب آبائكم الأولين } { فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين } من قومه { وتركنا عليه في الآخرين } الأمم الآخرة { سلام على إل ياسين } ، قيل: هو اسم لإدريس، وقيل: آل محمد روي في الحاكم، وقيل: ياسين اسم القرآن كأنه قيل: سلام على من آمن بالكتاب { إنا كذلك نجزي المحسنين } { إنه من عبادنا المؤمنين } { وإن لوطا لمن المرسلين } أي أرسلناه رسولا كسائر الرسل { إذ نجيناه وأهله أجمعين } أي من آمن { إلا عجوزا } امرأته { في الغابرين } في الباقين في العذاب { ثم دمرنا الآخرين } أهلكناهم { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين } أي في وقت الصباح { وبالليل } أيضا تمرون قيل: كان منازلهم في الأحقاف على طريق الشام { أفلا تعقلون } تستعملون عقولكم، يعني تمرون على منازلهم في متاجرهم إلى الشام ليلا ونهارا فما لكم عقول تعتبرون بها.

[37.139-157]

Unknown page