136

Tafsir

تفسير الأعقم

Genres

[11.37-43]

{ واصنع الفلك بأعيننا } أي بعلمنا، وقيل: بحفظنا، وروي أن نوحا (عليه السلام) اتخذ السفينة في سنتين وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وكانت من خشب الساج، وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في الأسفل الوحوش والسباع والهوام، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد، وحمل معه جسد آدم وجعله مفترضا بين الرجال والنساء، وعن الحسن: كان طولها ألفا ومئتي ذراع وعرضها ستمئة ذراع، وروي أن الحواريين قالوا لعيسى (عليه السلام): لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة يحدثنا عنها، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب فقال: أتدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا كعب بن حام، فضرب الكثيب بعصاه وقال: قم بإذن الله، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب فقال له عيسى: أهكذا هلكت؟ قال: لا مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت، قال: حدثنا عن سفينة نوح، قال: كان طولها ألف وعرضها ستمئة ذراع وكانت ثلاث طبقات فقال له: عد بإذن الله كما كنت، فعاد ترابا روى ذلك جار الله (رضي الله عنه) { حتى إذا جاء أمرنا } ، قيل: عذابنا، وقيل: أمرنا بإهلاك قومه { وفار التنور } نبع الماء منه، قيل: نبع الماء من موضع لا يعهد خروجه منه علامة لنوح وهو تنور الخبز عن ابن عباس، وقيل: انفجر الماء من وجه الأرض، وقيل: فار التنور طلع الفجر ونور الصبح عن علي (عليه السلام)، وروي أن التنور كان لآدم (عليه السلام)، وقيل: تنور لنوح (عليه السلام) وهو تنور الخبز، لأن عليه أكثر أهل التفسير فاسلك فيها { من كل زوجين اثنين } يعني ذكرا وأنثى من كل صنف من الحيوان { وأهلك } أي واحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم واستثنى من أهله { من سبق عليه القول } إنه من أهل النار قال الضحاك: أراد ابنه وإمرأته { وما آمن معه إلا قليل } روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال

" كانوا ثمانية نوح وأهله امرأته المسلمة وبنوه الثلاثة ونساؤهم "

، وقيل: كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نساء، وقيل: كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة وأولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم { وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها } والباء في بسم الله باء الحال كما تقول خرج بسلاحه أي متسلحا ومثله دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به فيصير تقديره اركبوا متبركين باسم الله، وقيل: إنه كان اذا أراد أن تجري قال: بسم الله فجرت، وإذا أراد أن يرسي قال: بسم الله فرست، وإن نوحا أمرهم بالركوب ثم أخبرهم بأن مجراها ومرساها باسم الله وبأمره وقدرته { وهي تجري بهم } أي تجري وهم فيها { في موج كالجبال } يريد موج الطوفان فإن شبه كل موجة منه كالجبل في تراكمها وارتفاعها { ونادى نوح ابنه } ، قيل: كان اسمه كنعان بن نوح، وقيل: يام { وكان في معزل } ، والمعزل: مفعول من عزله عنه إذا نحاه وأبعده يعني وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه، وقيل: كان في معزل عن دين أبيه { يا بني اركب معنا } ومتى قيل: كيف دعاه وهو كافر وقد نهى عن ركوب الكفار، قيل: كان ينافق أباه، وقيل: دعاه بشرط الايمان { قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } أي يمنعني { قال لا عاصم اليوم من أمر الله } أي لا مانع من أمر الله وهو الغرق { إلا من رحم } ورحمة الله تعالى يوجبها للمؤمنين.

[11.44-49]

{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك } أي انشفي ماءك الذي نبعت به من العيون { ويا سماء اقلعي } امسكي وليس هنا قول وأمر وإنما معناه أنه أذهب ماء الأرض وأمسك ماء السماء وغيض الماء يعني وذهب { وقضي الأمر } أي فرغ من هلاك قوم نوح { واستوت على الجودي } هو جبل بالموصل، وقيل: إنها سارت لأول يوم من رجب ، وقيل: لعشر مضين من رجب فسارت ستة أشهر، وقيل: كانت في الماء خمسين ومئة يوم واستقرت بهم على الجودي شهرا وهبط بهم يوم عاشوراء، وروي أنها مرت بالبيت فطافت به سبعا وقد أعتقه الله من الغرق، وروي أن نوحا (عليه السلام) صام يوم الهبوط وأمر من معه فصاموا شكرا لله تعالى { فقال رب إن ابني من أهلي } لأنه كان ابنه من صلبه { قال يا نوح إنه ليس من أهلك } الذين وعدتك أن أنجيهم معك، وقيل: ليس من أهلك ليس من أهل دينك، وقيل: كان دعاء ابنه إلى الايمان ودعاء ربه في ابنه ولم يكن عالما بحاله { فلا تسألن ما ليس لك به علم } أي لا تسألني شيئا حتى تعلم أنه جائز { قيل يا نوح اهبط } من السفينة { بسلام منا } أي سلامة ونجاة { وبركات عليك وعلى أمم ممن معك } وهم المؤمنون { وأمم } ليسوا بمؤمنين { سنمتعهم } في الدنيا { ثم يمسهم } يصيبهم في الآخرة { منا عذاب أليم } { تلك } أي القصة المتقدمة { من أنباء الغيب } من أخبار ما غاب عنك { نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا } القرآن وبيان القصة فيه، وقيل: من قبل هذه الأخبار والبيان { فاصبر } على تبليغ الرسالة وأذى قومك كما صبر نوح أن العاقبة والفوز والنصر والغلبة للمتقين.

[11.50-60]

قوله تعالى: { وإلى عاد أخاهم هودا } ، قيل: أخاهم من النسب { قال يا قوم اعبدوا الله } ، قيل: وحدوه { ما لكم من إله غيره } يعني ما تعبدون من الأوثان { إن أنتم إلا مفترون } كاذبون في قولكم الأوثان آلهة { يا قوم لا أسألكم عليه أجرا } أي على تبليغ الرسالة { إن أجري إلا على الذي فطرني } أي خلقني { أفلا تعقلون } ما أقول لكم { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } ، قيل: آمنوا به وتوبوا من عبادة غيره، وقيل: المراد بالاستغفار الايمان، وقيل: توبوا إليه لأن التوبة استغفار { يرسل السماء عليكم مدرارا } يعني المطر متتابعا، وقيل: غزيرا كثيرا { ويزدكم قوة إلى قوتكم } أي شدة إلى شدتكم، وقيل: هي الأولاد الذين يقوى بهم، وروي أن الله تعالى حبس عنهم المطر وأعقم أرحام النساء ثلاث سنين فقال لهم هود: إن آمنتم أحيى الله بلادكم ورزقكم المال والولد ومن أراد استيفاء قصة هود فقد تقدمت في سورة الأعراف { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين } أي بمصدقين { إن نقول الا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } أي خبلك ومسك بجنون لسبك إياها وصدك عنها { قال } لهم هود { إني أشهد الله واشهدوا اني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون } أنتم وآلهتكم أعجل ما تفعلون من غير أنظاري فإني لا أبالي بكم ولا بكيدكم { ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها } تمثيل لأن من عادة العرب استعمال ذلك إذا وصفوا إنسانا بالذل والخضوع { فإن تولوا } فإن أعرضتم { فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم } أي يهلككم الله ويحيي بقوم آخرين يخلفوكم في دياركم { ولا تضرونه } بشيء بتوليتكم عنه { إن ربي على كل شيء حفيظ } أي رقيب عليه فما يخفى عليه أعمالكم قوله تعالى: { ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه } ، قيل: كانوا أربعة آلاف وذلك أن الله تعالى بعث عليهم السموم فكانت تدخل من أنوفهم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضوا عضوا، فذلك قوله تعالى: { ونجيناهم من عذاب غليظ } ، وقيل: أراد بالتنجية من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه { وتلك عاد } أي وتلك عاد في بطشهم وقوتهم { جحدوا بآيات ربهم } ، وقيل: بالدلالة والحجج { وعصوا رسله } أراد هودا وحده وإنما جمع لأن من كذب رسولا واحدا فقد كذب جميع الرسل { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } ، قيل: لعنهم الله تعالى، وقيل: لعنتهم الملائكة { ويوم القيامة } أي ويقال لهم يوم القيامة { ألا إن عادا } الآية.

[11.61-68]

قوله تعالى: { وإلى ثمود أخاهم صالحا } أخاهم في النسب لا في الدين { قال } لهم { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض } يعني خلق آدم من التراب واستعمركم فيها، قيل: يعني جعلكم عمارها وسكانها، وقيل: أطال عمركم فيها، وقيل: أسكنكم { فاستغفروه } اطلبوا منه المغفرة { إن ربي قريب } الرحمة { مجيب } لمن دعاه، فلما دعاهم صالح بهذا الدعاء الحسن { قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا } أي قد كنا نرجو الخير من جهتك لما كنت عليه من الأحوال الجميلة وقد كنا نرجو أن تكون فينا سيدا { أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا } من الأوثان { قال يا قوم أرأيتم } أعلمتم { إن كنت على بينة من ربي } أي حجة واضحة { وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته } إلى آخرها { ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية } يعني ان شككتم في نبوتي فهذه ناقة الله لكم آية أي حجة، وإنما سميت ناقة الله لأنه لم يكن لها ملك، ولأنه رفع عنهم مؤنتها، ولأنه أحدثها آية أخرجها تعالى لهم من جوف صخرة صماء وهي حامل كما طلبوا { ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب } إن فعلتم ذلك { فعقروها فقال } لهم صالح { تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب } ، قوله تعالى: { فلما جاء أمرنا } يعني عذابنا { نجينا صالحا والذين آمنوا معه } أي خلصناهم من العذاب ومن خزي يومئذ أي من هوان ذلك اليوم والذل الذي أصابهم { وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا } ، قيل: أمر الله تعالى جبريل (عليه السلام) فصاح عليهم صيحة فماتوا { فأصبحوا في ديارهم جاثمين } ، قيل: في بلادهم، وقيل: في منازلهم جاثمين أي ساقطين على الوجوه { كأن لم يغنوا فيها } ، قيل: كأن لم يقيموا ولم يسكنوها لانقطاع آثارهم بالهلاك.

Unknown page