{ إن تبدوا الصدقات } أيها المؤمنون وتظهروها { فنعما هي } أي: نعم شيئا إبداؤها عند الله وعند المؤمنين { وإن تخفوها وتؤتوها } أي: تعطوها خفية من الناس { الفقرآء فهو خير لكم } من إبدائها لعرائها عن وصمة الرياء، وعن ثوب المن والأذى، وعن لحوق العار على الفقراء { ويكفر عنكم من سيئاتكم } لستركم ذاته الفقراء الذين يذلون عند أخذها منكم { والله } المجازي لكم { بما تعملون } من الخيرات { خبير } [البقرة: 271] يكفيكم خبرته بمجازاتكم عليه.
ثم قال سبحانه مخاطبا لنبيه كلاما خاليا عن السترة، ناشئا عن عين الحكمة: { ليس عليك } يا أكمل الرسل { هداهم } أي: أن تجعلهم مهديين إلى طريق الحق، بل ما عليك إلا الإرشاد والتنبيه على مسالك التوحيد، والترغيب على محاسن الأوامر المتعلقة به، والترهيب عن مفاتح المناهي المنافية له { ولكن الله } الهادي للكل { يهدي } بتوفيقه { من يشآء } من عباده إلى صراطه لتوصلهم إلى بابه { و } قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا: { ما تنفقوا من خير } صدقة أو نذر { فلأنفسكم } أي: فهو لكم ونفعاه من نفعكم وانتفاعكم.
{ و } قل لهم أيضا: خير إنفاقكم أنكم { ما تنفقون } شيئا { إلا ابتغآء وجه الله } طالبا لرضاه، شاكرا لنعمه، عاريا عما يشغلكم عن الحق، مائلا عن مطلق الجزاء؛ إذ لا جزاء أعظم من مطالعة وجهه الكريم { و } اعلموا أن { ما تنفقوا من خير } على هذه الوجه { يوف إليكم } جزاؤه فوق ما يصفه ألسنة مصنوعاته أو يدرك عقولهم { وأنتم لا تظلمون } [البقرة: 272] لا تنقصون وتخسرون في هذه المعاملة مع الله.
[2.273-274]
ومتى عرفتم خير الإنفاق، فعليكم أن تعرفوا خير من ينفق إليه فاجعلوا إنفاقكم: { للفقرآء } العرفاء الأمناء { الذين أحصروا } تمكنوا { في سبيل الله } مشمرين للفناءفيه بحيث { لا يستطيعون } من غاية استغراقهم في مطالعة جماله { ضربا في الأرض } لطلب الرزق الصوري ومن غاية استغنائهم عن الدنيا وما فيها { يحسبهم الجاهل } بحالهم { أغنيآء من } أجل { التعفف } المرتكز في جبلتهم { تعرفهم } وتنتبه على حالهم أيها المؤمنون المنفق لرضاء الله { بسيماهم } من ضعف القوى ورثاثة الحال، وهم من غاية رجوعهم وركونهم عن الدنيا نحو المولى { لا يسألون الناس إلحافا } إلماما متمنين راجين بما عندهم، بل رزقهم الله المتجلي في الآفاق يرزقهم ن حيث لا يحتسب، وبعدما سمعتم أوصاف هؤلاء الوالهين في مطالعة جمال الله وجلاله، بادروا إلى تقوية مزاجهم ليسعدوا بالسعادة العظمى التي لا مرتبة أعلى منه { و } اعلموا أن { ما تنفقوا من خير } خصوصا لهؤلاء { فإن الله به } بذاته { عليم } [البقرة: 273] يجازيكم بمقتضى علمه.
ربنا اجعلنا من خدامهم وتراب أقدامهم.
بشر يا أكمل الرسل { الذين ينفقون أموالهم } المنسوبة إليهم { بالليل والنهار سرا وعلانية } أي: في جميع أوقاتهم وحالاتهم، طالبا لرضاه، هاربا عما شغل من الحق وابتلاه { فلهم أجرهم عند ربهم } بقدر قابليتهم واستعدادهم { ولا خوف عليهم } من التضييع والإحباط { ولا هم يحزنون } [البقرة: 274] من سوء المنقلب والمآب.
[2.275-277]
بشر أيضا يا أكمل الرسل { الذين يأكلون الربوا } وهو تنمية المال بأخس الطرق، والإضرار بأخيه المسلم، وإتلاق ماله مجانا بلا رعاية غبطة بأنهم { لا يقومون } في البعث { إلا كما يقوم } الشخص { الذي يتخبطه الشيطان من المس } في النوم، كيف يقوم صرعى حيارى، مضطربا منتهكا مشوشا هائلا بلا سبب { ذلك } الأمر الفظيع الهائل { بأنهم قالوا إنما البيع } في التنيمة { مثل الربوا } وهم يسوون بين البيع والربا { و } الحال أنه { أحل الله البيع } لأن غبطة المشتري مرعي فيه حالا ومآلا، وهو يرضاه بلا اضطرار، بخلاف الربا فإن غبطة الآخذ غير مرعية فيه، بل إنما ارتكبه اضطرارا { و } لذلك { حرم } الله العليم الحكيم { الربوا } لئلا يتلف أموال المسلمين مجانا بلا عوض ولا رضا { فمن جآءه } بلغه { موعظة } قبل { من ربه } في أثناء ما يربو به { فانتهى } نفسه بإسماعها في الربا { فله ما سلف } أخذ وقبل الموعظة لا يسترده الشرع { وأمره } مفوض { إلى الله } يجازيه على الانتهاء إن كان من أهل القبول والإنابة، ويعاق عليها إن كان من أهل التزلزل والاضطراب { ومن عاد } بعدما سمع وانتهى { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 275] دائمون مستمرون ما شاء الله.
ومن سنته سبحانه أنه { يمحق الله الربوا } أي: يذهب بركته، ويهلك المال الذي يدخل هو فيه { ويربي } يزيد وينمي المال الذي يخرج منه { الصدقت } ويضاعف ثوابها ويبارك على صاحبها، كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله: " ما نصقت زكاة من مال قط " { والله } المتجلي بالتجلي الجلي { لا يحب كل كفار } ستار مصر على تحليل المحرمات { أثيم } [البقرة: 276] بارتكاب المحظورات مجترء على ترك المأمورات.
Unknown page