444

{ فإذا نفخ في الصور } لحشر الأموات ونشرها من قبورهم، فيخرجون منها حيارى سكارى تائهين هائمين { فلا أنساب بينهم يومئذ } بل يفر كل أمرئ من أخيه وصاحبته وبنيه؛ إذ لكل منهم شأن يغنيه { ولا يتسآءلون } [المؤمنون: 101] أي: لا يسأل بعضهم أحوال بعض، بل كل نفس منهم رهينة ما كسبت بلا التفات منه إلى غيره.

{ فمن ثقلت موازينه } ورجحت خيراته على شروره ومعاصيه { فأولئك } السعداء المقبولون { هم المفلحون } [المؤمنون: 102] الفائزوون المصورون على الفوز والفلاح

فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

[البقرة: 38].

{ ومن خفت موازينه } ورجحت سيئاته على حسناته { فأولئك } الأشقياء المردودون هم { الذين خسروا أنفسهم } خسرانا مبينا إلى حيث هم؛ لانهماكهم في الشرور والسيئات { في جهنم } البعد والخذلان { خالدون } [المؤمنون: 103] مخلدون دائمون لا نجاة لهم منها أصلا من شدة اشتعال النار وتلهبها.

{ تلفح } وتحرق { وجوههم النار وهم فيها } أي: في النار { كالحون } [المؤمنون: 104] عابسون حيث تقلص شفاههم عن أسنانهم؛ بحث تصل شفتهم العليا إلى وسط رأسهم والسفلى إلى سرتهم.

ومتى تضرعوا وتفزعوا، وبثوا الشكوى إلى الله قيل لهم من قبل الحق: { ألم تكن آياتي } الدالة على عظة ذاتي، وكمال قدرتي على الأنعام والانتقام { تتلى عليكم } حين ابتليناكم في النشأة الأولى { فكنتم } من غاية غفلتكم وضلالكم { بها تكذبون } [المؤمنون: 105] وتنكرون عنادا واستكبارا، فالآن لحقكم وعرض عليكم ما أنكرتم له وأعرضتم عنه.

وبعدما سمعوا من التوبيخ والتقريع ما سمعوا، { قالوا } متضرعين معترفين بما صدر عنهم من البغي والعناد: { ربنا } يا من ربانا على فطرة السعادة والهداية { غلبت علينا شقوتنا } واستولت أمارتنا، وصالت علينا أمانينا وأهويتنا { وكنا } بمتابعة تلك البغاة الغواة الضلال { قوما ضآلين } [المؤمنون: 106] منحرفين عن طريق الحق، ناكبين عن صراط مستقيم.

{ ربنآ أخرجنا } بفضلك وجودك { منها } أي: من النار { فإن عدنا } بعدما خرجنا منها إلى ما كنا عليه قبل من الغفلة والغرور { فإنا } حينئذ { ظالمون } [المؤمنون: 107] لأنفسنا بالعرض على أنواع العذاب وأشد النكال.

{ قال } سبحانه في جو ابهم زجرا وتبكيتا: { اخسئوا } واستكوا { فيها } أي: في النار مهانين صاغرين { ولا تكلمون } [المؤمنين: 108] معي، ولا تناجوا إلي لدفع عذابكم وتخفيفه وإخراجكم من النار؛ إذ أنتم فيها خالدون.

Unknown page