[2.228-230]
{ والمطلقات } المدخولات بهن { يتربصن } ينتظرن { بأنفسهن ثلاثة قروء } أي: مضى مدتها والقروء: يطلق على الحيض والطهر، وأصل وضعه للانتقال من الطهر إلى الحيض، وهو المراد في الآية لأنه لاستبراء الرحم والدال على البراءة، هذا { ولا يحل لهن } أي: المطلقات المعتدات { أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } مدة المعدة من الحيض؛ لئلا يختلط النسب { إن كن يؤمن بالله } العالم بالسرائر { واليوم الآخر } الذي تبلى فيه جميع السرائر والضمائر { وبعولتهن أحق } أليق وأولى { بردهن } إليهم { في ذلك } أي: في زمان التربص { إن أرادوا } أي: الأزواج { إصلاحا و } اعلموا أيها المؤمنون { لهن } عليكم من الرعاية والمحافظة على آداب الخدمة، والاستئناس وغير ذلك { مثل الذي } لكم { عليهن بالمعروف } من الحقوق والرعاية والمحافظة { وللرجال عليهن درجة } فضيلة بحسب الخلق والعقل والتميز وكمال الإيمان والمحافظة على حدود الله وامتثال مأموراته { والله عزيز } يعز من يشاء من عباده ويذل من يشاء { حكيم } [البقرة: 228] في فعله لا يسأل عما يفعل.
{ الطلق } الصادر من أولي العزائم وذوي الألباب { مرتان } مرة عند عروض النفرة المنافية للرغبة السابقة، المستلزمة للزواج والازدواج، المنبعث عن طبيعته المقتضية بالطبع للاختلافات والازدواجيات الواقعة بين أسبابها، وهي الأوصاف الإلهية، ثم إذا رجع العازم عنه لا بد أن يكون رجوعه أيضا عن روية وتدبر، بأن يلاحظ أنه سبب انبعاث الرغبة السابقة واشتياقها ثانيا، فيكذب نفسه ويرجع إليها، وإن طلقها بعد تلك المراجعة { فإمساك بمعروف } أي: فعليه بعد الطلقة الثانية أحد الأمرين، ولا يتجاوز عنه إلى الطلقة الثالثة، وإلا لسقط عن زمرة العقلاء العازمين على الأمور الشرعية بالعزيمة الخالصة، إما إمساك بالمعروف، والمستحسن عند الله وعند المؤمنين، بل لا بد أن يكون هذا الإمساك أحسن من الإمساك السابق على الطلاق حي الوفاق { أو تسريح } وإطلاق وتبعيد مقارن { بإحسن } من مال وخلق وكلمة طيبة؛ ليرتفع غبار العداوة والبغضاء الواقعة بإغواء الشيطان بينهماز
{ ولا يحل لكم } أيها الحكام المقيمون للأحكام الشرعية أصلا { أن تأخذوا } من النساء { ممآ آتيتموهن } من المهور والصداقات { شيئا } وتردوه إلى أزواجهن { إلا أن يخافآ } أي: الزوجان كل منهما على نفسه { ألا يقيما حدود الله } الموضوعة من عنده سبحانه لإصلاح حالهما { فإن خفتم } أيها الحكام أيضا { ألا يقيما حدود الله } بينهما { فلا جناح } إثم { عليهما } على الرجل { فيما } أخذ { افتدت به } المراة للخلاص والطلاق، وعلى المرأة لإعطائه له { تلك } الأحكام المذكورة { حدود الله } الموضوعة فيكم أيها المؤمنون لإصلاح أحوالكم { و } فلا تتجاوزوا عنها بالمخالفة وعدم الامتثال { فلا تعتدوها } اعملوا أن { من يتعد حدود الله فأولئك هم الظلمون } [البقرة: 229] المجاوزون عن حد الإنسانية إلى البهيمية، والمضيعون لمقتضيات العقل الشريف المفاض عليهم من لدنه سبحانه.
{ فإن طلقها } أي: إن وقع الطلاق بينهما بعد المرتين { فلا تحل } المرأة المطلقة { له } أي: للرجل المطلق { من بعد } أي: بعد وقوع الطلاق الثالثة { حتى تنكح } تتزوج المرأة { زوجا } ثانيا { غيره } أي: غير الزوج الأول { فإن طلقها } الزوج الثاني { فلا جناح عليهمآ أن يتراجعآ } أي: يرجع كل من الزوج الاول والمرأة إلى الآخر بالزواج، ويلمس كل منهما عسلية الزوج الثاني إن اشتهى، وذلك حين { إن ظنآ أن يقيما حدود الله } بينهما { وتلك } الأحكام { حدود الله يبينها لقوم يعلمون } [البقرة: 230] يعقلون ويفهمون حدوده ويعلمون بها بمقتضى العقل؛ إذ التكاليف الواقعة في الشرع الماضي لأجله.
[2.231-232]
{ وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن } أي: قرب انقضاء عدتهن { فأمسكوهن } أي: فعليكم بعدما قرب انقضاء مدة العدة أن تراجعوهن فيها وتمسكوهن { بمعروف } مستحسن عقلا وشرعا { أو سرحوهن } وفارقوهن { بمعروف } حتى لا يتضررن بعدم الزواج وطول المدة { ولا تمسكوهن } أي: ولا تراجعوهن { ضرارا } أي: بمجرد أن تضروهن { لتعتدوا } أي: تبقوا مدة طويلة بلا محبة ومودة حتى يأتيهن الموت كما يفعله الجهال غيره وحمية { ومن يفعل ذلك } الفعلة منكم { فقد ظلم نفسه } بتعريضها على عقاب الله بإبطال حكمته وتعطيل محل خلقه وقدرته.
{ ولا تتخذوا } أيها المؤمنون { آيات الله } النازلة عليكم { هزوا } تتهاونون عليها وتأخذونها سهلا، احذوا عن انتقامه { واذكروا نعمت الله } المنعمة { عليكم } واشكروا لها { و } خصوصا { مآ أنزل عليكم } لإصلاح حالكم { من الكتاب } المبين لكم طريق المعاش في النشأة الأولى { والحكمة } الموصلة إلى ذروة التوحيد في النشأة الأخرى لكي { يعظكم به } فعليكم أن تتعظوا وتتذكروا به { واتقوا الله } عن مساخطته وانتقاماته ولا تتجاوزوا عن حدوده المبينة في كتابه { واعلموا أن الله } المحيط بكم وبحالاتكم { بكل شيء } صدر عنكم من الخير والشر والنفع والضر العائد لنفوسكم { عليم } [البقرة: 231] بالعلم الحضوري، لا يعرب عن علمه شيء مما ظهر وكان، ويظهر ويكون.
{ وإذا طلقتم } أيها المؤمنون { النسآء فبلغن } بعد الطلاق { أجلهن } من المعدة المفروضة المقدرة لاستبراء الرحم { فلا تعضلوهن } أي: لا تحبسوهن ولا تعيروهن إن أردن { أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } كما يفعله الجهال من الحمية الجاهلية { ذلك } التذكر والعظمة المنزلة من عند الله { يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله } بجميع ما أنزل من الأحكام والمواعظ { واليوم الآخر } بجميع ما فيه من النكال والعذاب والحساب العقاب { ذلكم } أي: الأحكام والمواعظ والأخلاق والآداب { أزكى لكم } لتزيكة نفوسكم من الأهواء والآراء الباطلة { وأطهر } لقلوبكم عن متابعتها { والله يعلم } مصالح عباده { وأنتم لا تعلمون } [البقرة: 232] فعليكم الامتثال والانقياد على وجه التعبد.
[2.233-234]
Unknown page