421

وحين تعذيب الموكلين عليه إياه بالنار، أمرناهم أن يقولوا له على سبيل المثال التقريع والتوبيخ زجرا عليه: { ذلك } الذي لحقك وينزل عليك من العذاب المخلد { بما قدمت } وكسبت { يداك } في النشاة الأولى، وعلى مقدار ما اقترفته من المعاصي والآثام بلا زيادة عليها عدلا منا { و } اعلم أيها المسرف المبالغ في اقتراف الجرائم المستوجبة للعذاب { أن الله } المتصف بالعدل القويم { ليس بظلم للعبيد } [الحج: 10] يعني: ليس بمبالغ في جزاء الانتقام عنه مقدار الجرائم والآثام مثل مبالغته في جزاء الإنعام والإحسان تفضلا وامتنانا.

{ ومن الناس } المجبولين على نسيان المنعم، وكفران نعمه { من يعبد الله } المنزه المستغن عن إيمانه وعبادته { على حرف } أي: شاكا منتظرا على طرف بلا جزم منه فيه، وطمأنينة كالذي يتمكن يوم الوغى على طرف الجيش مترددا منتظرا، إن أحس الظفر قر في مكانه وتمكن، وإلا فر، كذلك هذا المؤمن المتزلزل { فإن أصابه } بعدما آمن وأسلم { خير } أي: شيء سره وينشطه { اطمأن به } وتمكن لأجله متفائلا بالإيمان والإسلام { وإن أصابته } بعد اختياره الإيمان والإسلام { فتنة } أي: بلية ومصيبة تمله { انقلب } ورجع { على وجهه } أي: وجهته وجهته التي تركها من الكفر متطيرا متشائما بالإيمان والإسلام وبالجملة { خسر } ذلك المتزلزل المتذبذب { الدنيا } بأنواع البليات والمصيبات { والأخرة } بالحرمان عن درجات الجنان والخلود في دركات النيران بأنواع الخسران { ذلك } الخسران المستوعب للنشأتين { هو الخسران المبين } [الحج: 11] العظيم، لا خسران أعظم منه وأفحش، وكيف لا يخسر ذلك المردود المطرود.

{ يدعوا } ويعبد { من دون الله } المتصف بجميع أوصاف الكمال المستحق للعبادة والإطاعة استحقاقا ذاتيا ووصفيا { ما لا يضره } أي: شيئا، إن عصاه ولم يؤمن به لا يتأتى منه الضرب والانتقام { وما لا ينفعه } أي: إن أطاعه وعبده حق عبادته، لا يتأتى منه أن يثيبه ويغفر له ويحسن إليه { ذلك } أي: الإطاعة والانقياد لشيء لا يرجى منه النفع والضر { هو الضلال البعيد } [الحج: 12] عن الهداية والتوحيد بمراحل خارجة عن الحصر والتعديد.

بل { يدعو } ذلك الضال الغوي { لمن ضره أقرب } بسبب اتخاذه شريكا معه في استحقاق العبادة جهلا وعنادا، مع أنه الواحد الأحد الصمد المستقل بالألوهية والربوبية، ودخول المشرك في النار محقق، مقطوع به، فيكون ضره أقرب { من نفعه } الذي توهمه أن يشفع لأجله عند الله، والشفاعة عنده إنما هي بإذنه سبحانه أيضا فثبت ألا نفع له، والله { لبئس المولى } المعين الناصر الشفيع الأصنام والأوثان الخسيسة { ولبئس العشير } [الحج: 13] أي: الكفار الذين يعبدونهم ويوالونهم ويتخذونهم أربابا يطمعون منهم الشفاعة عند الله، من أن ترك المحقق المجزوم، وأخذ المعدوم الموهوم ما هو إلا كفر باطل وزيغ عاطل زائل.

ربنا اهدنا بفضلك إلى سواء السبيل.

[22.14-18]

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب الوعيد بالوعد: { إن الله } الهادي لعباده إلى دار السلام { يدخل الذين آمنوا } أي: سيقوا بالإيمان بالله، وتصدق رسله وكتبه { و } مع ذلك { عملوا الصالحات } التي أمرهم سبحانه في كتبه وأجراهم على ألسنة رسله بالإتيان والامتثال بها، واجتبوا عن النوهي التي نهاهم سبحانه عنها { جنات } متنزهات من العلم والعين والحق { تجري من تحتها الأنهار } أي: المعارف والحقائق الجزئية المتجددة بتجددات الأمثال، وهي الرموز والإرشادات التي يتفطن بها العارف من ظواهر المظاهر المرتبطة بالشؤون والتجليات الإلهية وبالجملة { إن الله } الموفق لخواص عباده { يفعل } معهم { ما يريد } [الحج: 14] من الصلاح والفوز بالنجاح، والتحقق بمقام الرضا وشرف اللقاء.

ثم لما اعتقد المشركون من في قلبه عداوة راسخة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشيكمة شديدة، وغيظ مفرط ألا نصر ولا إعانة له من عند الله لا في الدنيا ولا في الآخرة كما زعمه رد الله عليهم نصرا له وترويجا لقوله، فقال: { من كان يظن أن لن ينصره الله } ولن يعين رسوله صلى الله عليه وسلم لا { في الدنيا } ولا في { والآخرة } بل ما ادعاه من نصر الله إياه في الدنيا والآخرة، إنما هو لإثبات دعوه وترويج مدعاه، وإلا فلا نصر له ولا ناصر، يقال للمنكر: إن شئت إزالة غيظك وحسدك عنه صلى الله عليه وسلم { فليمدد بسبب } أي: بحبل { إلى السمآء } أي: نحوها وارتفع معلقا بالحبل إلى أن يتباعد من الأرض مسافة بعيدة { ثم } يقال له بعدما ارتفع من الأرض: { ليقطع } الحبل وانفصل عنه، فقطع فوقع { فلينظر } بعدما وقع { هل يذهبن كيده } مكره وحيلته { ما يغيظ } [الحج: 15] أي: غيظه برسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم.

وباجملة ما يزول إنكار المنكرين، وغيظ المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذه الحيلة والكيد.

{ وكذلك } أي: مثلما نصرناه صلى الله عليه وسلم في وقائع كثيرة { أنزلناه } أيضا لتأييده ونصره { آيات } أي: دلائل { بينات } واضحات دالة على صدقة في دعواه النبوة والرسالة والتشريع العام والإرشاد التام { و } أنزلناه أيضا على سبيل العظة والتعليم { أن الله } الهادي للعباد، الموفق لهم إلى سبيل الرشاد { يهدي } بعدما بينت لهم طريق الهداية والسداد بوحي الله إياك يا أكمل الرسل { من يريد } [الحج: 16] ويتعلق إرادته ومشئته سبحانه لهدايته ورشاده، ومن يتعلق بضلاله أضله.

Unknown page