Tafsīr al-Jīlānī
تفسير الجيلاني
Genres
{ قال } في جوابهم على مقتضى اعتقادهم وزعمهم: أنا عبد مألوه مربوب، وهم آلهة معبودون، كيف أقدر أن أفعل بهم هذا { بل فعله كبيرهم هذا } أي: هذا الصنم الغير المنكسر؛ لئلا يشاركوا معه في المعبودية والألوهية، وإن شككتم أنه فعل هذا هو أم أنا { فاسألوهم } أي: الآلهة { إن كانوا ينطقون } [الأنبياء: 63] يعين: إن اعتقدتم نطقهم وتكلمهم؛ لأنهم آلهة، ومن لوازم الألوهية: التكلم، والتنطق، بل أنتم تعتقدون أن هؤلاء خلقوا جميع أهل التكلم واللسان، فهم أولى وأحق بجواب سؤالكم هذا.
ولما سمعا منه ما سمعوا { فرجعوا إلى أنفسهم } متأملين؛ أي: رجع كل منهم إلى وجدانه ونفسه متفكرا متدبرا { فقالوا } أي: كل منم في سره ونجواه: { إنكم } أيها الجاهلون الغافلون عن قدر الألوهية والربوبية { أنتم الظالمون } [الأنبياء: 64] المقصورون على الخروج عن مقتضى العقل الفطري والرشد الجبلي، ما هذه إلا تماثيل مصنوعة لكم منحوتة بأيديكم، من أين توجدكم وتخلقكم، بل أنتم موجدوها ومختروعها.
{ ثم } لما تفرسوا بخطئهم وتفطنوا بحقية إبراهيم وصدقة في مقاله، أزعجتهم الغيرة البشرية والحمية الجاهلية إلى المراء والمجادلة معه لذلك { نكسوا على رءوسهم } يعني: بعدما علموا أعلى الأمر وأسفله، وفرقوا بين الحق والباطل، أرادوا أن يقلبوا الأمر وعكسوه عنادا ومكابرة وقالوا مكابرة: { لقد علمت } أيها المجادل المفتون { ما هؤلاء } الآلهة { ينطقون } [الأنبياء: 65] إذ هم جمادات لاحس لهم ولا شعور، كيف يتيسر لهم التكلم والتنطق.
وبعدما اعترفوا بحمادية آلهتهم وعدم قابليتهم للنطق، والتنطق، والتكلم { قال } إبراهيم موبخا عليهم ومقرعا: { أ } ما تستحيون وتخجلون أيها الضالون المكابرون { فتعبدون من دون الله } الواحد الأحد المتوحد بالألوهية والربوبية، المستقل بجميع التصرفات الواقعة في عالم الغيب والشهادة { ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم } [الأنبياء: 66] أي: أصناما وأوثانا، لا يرجى منهم النفع والضر.
ثم لما قال على سبيل الضجر والإكراه عن أمرهم، والتأسف على ضيق عقلهم المفاض لهم من ربهم لمصلحة المعرفة والإيمان: { أف لكم } أي: قبحا لكم أيها المطرودون المردودون عن زمرة العقلاء { ولما تعبدون من دون الله } المستقل للنفع الضرر، وجلب أنواع الخيرات، ودفع أصناف المضرات { أفلا تعقلون } [الأنبياء: 67] أيها المتخذون لله شركاء، ولا تستعملون عقولكم الموهبة لكم لكسب المعارف والحقائق؛ للتتفطنوا إلى سرائر التوحيد الخالي عن شوب التخمين وشين التقليد
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
[النور: 40].
ثم لما سمعوا منه التعيير والتشنيع ثارت نار حميتهم واشتد غيظ غيرتهم { قالوا } بعدما شاوروا كثيرا في وجه إهلاكه وانتقامه: { حرقوه } إذ لا عذاب أقرع وأهول منه { وانصروا } بحرقة { آلهتكم } لأن التعذيب بالنار مخصوص بالإلهة، كما قال " لا يعذب بالنار غير خالقها " ولما كان تعذيبهم إياه لأجل آلهتهم، لذلك اختاروا تعذيبه بالنار { إن كنتم فاعلين } [الأنبياء: 68] ناصرين آلهتكم بأخذ انتقامهم عنه.
[21.69-75]
ثم لما حفروا البئر، وبنوا الحفرة، وجمعوا الحطب، وأوقدوا النار، علقوا المنجنيق ووضعوه فيه ورموه إليها { قلنا } حينئذ حافظين لخليلنا له، مخاطبين للنار: { ينار } المجبولة المطبوعة بالحرق والحرارة { كوني بردا } واتركي الحرق والحرارة { و } لا تضري لخليلنا بالبرودة أيضا، بل صيري { سلما } أي: ذات سلام وسلامه { على إبراهيم } [الأنبياء: 69] ولا تضري له.
Unknown page