Tafsīr al-Jīlānī
تفسير الجيلاني
Genres
{ قال } إبراهيم بعدما انكشف بالحق وظهر عنده ضلالهم وضلال آبائهم: { لقد كنتم أنتم } أيها الحمقى المنهمكون في بحر الغفلة والغرور { وآبآؤكم } أي: تابعكم ومتبوعكم وأصلكم وفرعكم { في ضلال مبين } [الأنبياء: 54] وغفلة عظيمة من الهداية وسلوك طريق الحق.
ثم لما سمعوا منه ما سمعوا من التضليل والتجهيل { قالوا } له: { أجئتنا } أيها المدعى { بالحق } أي: بالجد الصريح الواضح المنكشف المبين { أم أنت } في تضليلك وتجهيلك إيانا { من اللاعبين } [الأنبياء: 55] بنا المستهزئين معنا.
{ قال } إبراهيم: لا لعب ولا سخرية في أمور الدين سيما في معرفة الألوهية والربوبية، وبالجملة ما هذه التماثيل العاطلة أربابكم الذين أوجدوكم وأظهروكم من كتم العدم { بل ربكم } وموجدكم { رب السموت والأرض } أي: موجد العلويات والسفليات، ومربيها واحد أحد فرد وتر، لا تعدد له، ولا اثنينية فيه، متصرف بالاستقلال في ملكه؛ إذ هو { الذي فطرهن } وأبدعهن اختياره، وانفراده بلا سبق مادة ومدة { وأنا على ذلكم } أي: على الأمور التي بينت لكم وأوضحها عندكم { من الشاهدين } [الأنبياء: 56] أي: من أرباب الشهود المتحققين بمرتبة الكشف واليقين الحقي، لا من أصحاب التقليد والتخمين.
{ و } بعدما جرى بينه وبينهم ما جرى، سفهوه واستهزؤوا معه، ونسبوه إلى الخبط والجنون، وانصرفوا عنه متعجبين إلى مجامعهم ومعابدهم التي اجتمعوا فيها لعبادة الأصنام، قال إبراهيم مقسما مؤكدا بالغا: { تالله لأكيدن } أي: لأحتالن وأمكرن؛ لأن أكسر { أصنامكم } ومعبوداتكم أيها الجاهلون لتفضحوا أنتم وهؤلاء الأباطيل الزائغة { بعد أن تولوا } وتنصرفوا { مدبرين } [الأنبياء: 57] من مجمعكم ومعبدكم.
[21.58-68]
ثم لما ذهبوا إلى معبدهم دخل إبراهيم كنيستهم ومعبدهم التي فيها أصنامهم وأوثانهم { فجعلهم } كلها { جذاذا } قطعا منكسرة وأجزاء متلاشية { إلا كبيرا لهم } يعني: لم يكسر الصنم الكبير من الأصنام فقط؛ ليكون سببا لإلزامهم، وإفحامهم لدى الحاجة { لعلهم إليه } أي: إلى الصنم الكبير { يرجعون } [الأنبياء: 58] أي: يراجعون له ويستفسرون منه عن كسر الأصنام؛ لأنهم اعقدوه أعظم الآلهة، والإله لا بد أن يجيب لهم جميع حوائجهم وحاجاتهم.
ثم لما رجعوا من معبدهم ودخلو إلى معابدهم وكنائسهم للعبادة والتقرب نحو الآلهة، وجدوها مجذوذة منكسرة متفرقة الأجزاء { قالوا } من فرط حزنهم وأسفهم مستبعدين مستحسرين: { من فعل هذا } الفعل الفظيع والأمر الفجيع { بآلهتنآ } ومعبوداتنا { إنه لمن الظالمين } [الأنبياء: 59] الخارجين عن شعائر ديننا الجاحدين لآلهتهم.
{ قالوا } أي: السامعون منهم للسائلين: { سمعنا فتى } نكروه تحقيرا له، وإعانة عليه { يذكرهم } أي: الآلهة بالسوء دائما، ويعيب عليهم، وينكرهم { يقال له إبراهيم } [الأنبياء: 60].
ثم لما انتشر الخبر واجتمعوا في المعبد مزدحمين متشاورين في انتقامه، واستقرارهم رأيهم عدما تمادى مشورتهم إلى أن { قالوا } متفقين: { فأتوا به } أي: بإبراهيم { على أعين الناس } ورؤوس الملأ والأشهاد { لعلهم يشهدون } [الأنبياء: 61] يحضرون ويجتمعون؛ يعني: جميع المعبودين لقتله وهلاكه، حتى ينال كل منهم نصيب حظه من نصر الآلهة.
ثم لما حضر نمرود واجتمع أشراف ممكلته، وازدحم العوام والخواص، وأحضروه لينتقموا عنه { قالوا } أولا له على سبيل التعيير والتقريع: { أأنت فعلت هذا } الفعل الشنيع، والأمر القطيع الفجيع { بآلهتنا } ومعبوداتنا { يإبراهيم } [الأنبياء: 62] المرذول المجهول.
Unknown page