ومتى سمعت ما بلغناك بإذن الله ووحيه { فأرسل معنا بني إسرائيل } المستوحشين عنك بظلمك وقهرك؛ لينجوا من استيلائك واستعلائك عليهم { و } إذ أرسلنا الله لإنجائهم وتخليصهم من عذابك { لا تعذبهم } بعد أدائنا الرسالة إليك لأنا { قد جئناك بآية } ساطعة ومعجزة باهرة ظاهرة إنها { من ربك } الذي هو رب العالمين.
إن تأملت فيها حق التأمل والتدبر تركت العتو والعناد، وآمنت بتوحيده { والسلام } أي: الأمن والسلامة من الله { على من اتبع الهدى } [طه: 47] وتأمل الآيات الكبرى وترك الهوى، ومن اتبع الهوى فقط ضل وغوى، واستحق عذاب الآخرة والأولى.
واعلموا أيها الهالكون في تيه الغفلة والضلال { إنا قد أوحي إلينآ } من عندنا ربنا { أن العذاب } الإلهي ناول { على } كل { من كذب وتولى } [طه: 48] أي: كذب الحق وأعرض عن أوامره ونواهيه، فلما رأى فرعون جرأتهما وسمع قولهما { قال } لهما تهكما واستهزاء: { فمن ربكما } الذي رباكما وأرسلكما لإنجاء بني إسرارئيل من عذابي، مع أني لم أعرف لك ربا رباك غيري { يموسى } [طه: 49] المقتدى في أمر الرسالة.
{ قال } له موسى على وجه التنبيه رجاء أن ينتبه: { ربنا الذي } أظهر الأشياء من العدم { أعطى كل شيء خلقه } أي: مرتبته في النشأة الأولى { ثم هدى } [طه: 50] الكل بالرجوع إليه والانقياد له في النشأة الأخرى؛ إذ منه الابتداء وإليه الانتهاء.
{ قال } فرعون: إذا كان الكل من عند ربك وبعلمك أحواله { فما بال القرون الأولى } [طه: 51] أي: ما أحوال الأمم الماضية، هل هم مهتدونن بمتابعة مثلك أم هم ضالون بمتابعة الهوى مثلي على رعمك؟!.
[20.52-64]
{ قال } موسى: لا أعرف حالهم من الهداية والضلالة؛ إذ { علمها عند ربي } لا يوحي إلي من أحوالهم شيئا بل أحوالهم ثابتة عنده سبحانه { في كتاب } هو حضرة علمه الأزلي على التفضيل؛ بحيث { لا يضل ربي } أي: لا يغيب عن أحوالهم شيء من عمله سبحانه { ولا ينسى } [طه: 52] ربي شيئا من ملعوماته؛ إذ علمه حضوري بالنسبة إلى جميع الأشياء، والعلم الحضوري لا يجري فيه الغيب والنسيانز
ثم قال موسى دفعا للاثنينية الناشئة من الإضافة: ربنا هو ربكم { الذي جعل لكم الأرض مهدا } مكانا تستقرون فيه وتستريحون { وسلك } أي: قدر { لكم فيها سبلا } مختلفة بعضها جبلا ترتحلون إليه في الصيف، وبعضها سهلا ترجعون إليه في الشتاء، حتى يكمل استراحتكم فيها، { و } مع ذلك { أنزل } لكم لتكميل استراحتكم أيضا { من السمآء } أي: عالم الأسباب { مآء } لإحياء الأرض الميتة { فأخرجنا } أي: أنشأنا وأنبتنا { به } أي: بسبب الماء فيها { أزواجا } وأصنافا { من نبات شتى } [طه: 53] مختلفة؛ ليكون مفرجا لغمومكم مقويا لنفوسكم.
وإذا احتجتم إلى الغذاء { كلوا } منها؛ حيث شئتم رغدا { وارعوا أنعامكم } التي تستريحون بسببها من أكلها وحملها وركوبها { إن في ذلك } الجعل والإنزال والإخراج { لآيات } دلائل واضحات على قدرتنا واختبارنا { لأولي النهى } [طه: 54] الناهين عقولهم عن إسناد الأمور إلى الأسباب بل يسندونها إلى مسببها أولا وبالذات.
وإذا تأملتم في بدائع مصنوعاتنا وغرائب مخترعاتنا على وجه الأرض جزمتم أنا { منها } أي: من الأرض { خلقناكم } وأوجدناكم بقدرتنا واختيارنا إيجاد النبات منها وقت الربيع { وفيها نعيدكم } أيضا بالآجال المقدرة لانقضاء حياتكم، إفناء النبات في أيام الخريف { ومنها نخرجكم } للحشر والعرض في يوم الجزاء { تارة أخرى } [طه: 55].
Unknown page