{ ويقوم لا أسألكم عليه } أي: على تبليغي وإرشادي إياكم وإهدائي لكم { مالا } جعلا وأجرا { إن أجري } أي: ما أجري { إلا على الله } الذي أمرني به وبعثني لتبليغه { و } إن أردتم أن أطرد من معي من المؤمنين فاعلموا أني { مآ أنا بطارد الذين آمنوا } وليس في وسعي طردهم وكيف أطردهم { إنهم } من غاية سعادتهم وصلاحهم { ملاقوا ربهم } الذي وفقهم على الإيمان والهداية، فيخاصمون مع طاردهم وينتقمون عنه { ولكني أراكم } من خبث باطنكم { قوما تجهلون } [هود: 29] تنكرون لقاء الله وحوله وقوته وإعانته للمظلوم وانتقامه للظالم الطارد.
{ ويقوم } المكابرين المعاندين في طلب طرد المؤمنين الموقنين { من ينصرني } ويدفع عني { من } عذاب { الله } وبطشه وانتقامه { إن طردتهم } اتبغاء لمرضاتهم ومواساة لكم بلا إذن وارد من قبل الحق، ووحي نازل من عنده { أفلا تذكرون } [هود: 30] أيها المجبولون على العقل المفاض، المستلزم للتوحيد والعرفان لينكشف الأمر عنكم، وتعرفوا وخامة عاقبة التماسكم طرد المؤمنين وتوفيقكم الإيمان عليه.
{ ولا أقول لكم } مدعيا بعدم طرد المؤمنين الفاقدين حطام الدنيا { عندي خزآئن الله } فأغنيهم بها، لذلك لم أطردهم { ولا أعلم الغيب } أي: لا أدعي الاطع على غيوب أحوالهم في مآلهم حتى يكون سبب ودادي لهم { ولا أقول } لكم مباهاة ومفاخرة: { إني ملك } حتى تقولوا: ما أنت إلا بشر مثلنا { ولا أقول } أيضا { للذين } أي: للمؤمنين الذين { تزدري أعينكم } أي: استرذلتموهم، وتقولون في حقهم: ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي: { لن يؤتيهم } ويعطيهم { الله خيرا } في الدنيا والأخرة؛ إذ حالهم ومآلهم من الغيوب التي استأثر الله بها ولم يطلعني عليها؛ إذ { الله أعلم بما في أنفسهم } من الإخلاص والرضا، وما لي علم بحالهم إلا بوحي الله وإلهامه، ولم يوخ إلي شيء من أحوالهم، وإن تفوهت عنهم وعن أحوالهم بلا وحي { إني إذا لمن الظلمين } [هود: 31] المجترئين على الله في ادعاء الاطلاع على غيبه رجما به.
وبعدما سمعوا من نوح عليه السلام ما سمعوا { قالوا } من فرط عتوهم وعنادهم: { ينوح } نادوه استهانة واسحتقارا { قد جادلتنا } وخاصمتنا بالمقدمات الكاذبة الوهمية { فأكثرت } علينا { جدالنا } وبالغت فيها وتماديت { فأتنا } أيها المكثر المفرط { بما تعدنآ } من العذاب، فإنا لن نؤمن بك { إن كنت من الصادقين } [هود: 32] في دعواك.
[11.33-37]
{ قال } نوح متأسفا متحزنا، آيسا من إيمانهم: يا قوم لست بآت بموعد حتى تعجزوني وتضطروني وتستهزئوا بي، بل { إنما يأتيكم به } أي: بالعذاب الموعود { الله } المنتقم منكم { إن شآء } انتقامكم وتعلق إرادته لهلاككم { ومآ أنتم } حين غضبه سبحانه عليكم { بمعجزين } [هود: 33] الله في فعله وأخذه؛ إذ هو القاهر فوق عباده، بل أنتم حينئذ عاجزون ومضطرون مقهورون.
{ ولا ينفعكم } اليوم { نصحي } لئلا يلحقكم ما سيلحقكم حين حلول العذاب { إن أردت } وأحببت { أن أنصح لكم } لأحفظكم { إن كان الله يريد أن يغويكم } أي: لا ينفعكم نصحي اليوم إن تعلق إرادة الله ومشيئته في سابق علمه لإغوائكم، بل { هو ربكم } ومولي أموركم { وإليه } لا إلى غيره من الأظلال { ترجعون } [هود: 34] في جميع أموركم وحلااتكم.
أتريد يا نوح نصحهم وإشفاقهم، وهم لا يقبلون منك { أم } بل { يقولون افتراه } أي: اختلقه من عنده ونسبه إلى الوحي ترويجا { قل } لهم حين قالوا لك هذه مجاراة عليهم ومماراة: { إن افتريته } واختلفت ما جئت به { فعلي إجرامي } أي: وبال أمري ونكاله { و } الحال أنه { أنا بريء مما تجرمون } [هود: 35] وتنسبون إلي من الجرائم.
{ و } بعدما بالغوا في العتو والفساد والإصرار على ماهم عليه من الجور والفساد { أوحي } وألهم { إلى نوح } حين ظهر عليهم أمارات الإنكار، ولاح علامات الاستخفاف والاستكبار { أنه لن يؤمن } لك أبدا بعد هذا { من قومك إلا من قد آمن } لك قبل هذا، فاقنط عن إيمانهم، ولا تجتهد في نصحهم وإهدائهم { فلا تبتئس } ولا تغتم من إهلاكهم ونزول العذاب عليهم إنهم مهلكون { بما كانوا يفعلون } [هود: 36] من الإعراض والإنكار والعتو والاستكبار.
{ و } بعدما حصل لك اليأس والقنوط من إيمانهم { اصنع الفلك } لحفظك ولمن آمن معك من الغرق { بأعيننا } أي: بكنفنا وجوارنا وحفظنا وحصاننا { ووحينا } لك كيف تصنعها وتشيدها { و } بعدما صنعت { لا تخاطبني } ولا تناج معي { في } إنجاء القوم { الذين ظلموا } أنفسهم بالمكابرة والعناد ونبذوا وراء ظهورهم ما جئت به من الهداية والرشاد { إنهم } بسبب انهماكهم في الغفلة والغرور { مغرقون } [هود: 37] مهلكون حتما، لانجاة لهم أصلا.
Unknown page