197

[7.160]

ثم قال سبحانه : { وقطعناهم } أي: جزأناهم وصيرناهم { اثنتي عشرة } أضرابا على عدد أبناء يعقوب { أسباطا } لهم كل حزب سبط لواحد منهم؛ لذلك صاروا { أمما } مختلفة، وإن كان الكل مسمى ببني إسرائيل { و } من جملة نعمنا إياهم: إنا { أوحينآ } من مقام جودنا { إلى موسى إذ استسقاه قومه } أي: حين صاروا تائهين حائرين، عطاشا هائمين { أن اضرب } يا موسى { بعصاك } التي استعنت بها في الأمور { الحجر } الذي بين يديك فضرب { فانبجست } أي: خرجت وجرت على الفور بلا تراخ ومهلة { منه اثنتا عشرة عينا } جارية بضربة واحدة على عدد الأسباط والفرق؛ بحيث { قد علم كل أناس } من كل سبط { مشربهم } المخصوص لهم؛ لئلا يقع الخصومة والنزاع بينهم.

{ و } من جملة نعمنا إياهم: إنا { ظللنا عليهم الغمام } أي: أمرنا بأن يظل عليهم في التيه؛ لئلا يتضرروا من شدة الحر فيستريحوا { و } أيضا { أنزلنا عليهم المن } الترنجبين لشربهم؛ تبريدا لمزاجهم { والسلوى } السماني؛ لغذائهم، وقلنا لهم: { كلوا من طيبات ما رزقناكم } لتقويم مزاجكم { وما ظلمونا } أولئك الخارجون عن أوارمنا { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } [الأعراف: 160] أي: يظلمون أنفسهم بما اقترفوا من المعاصي والآثام ويلقونها بذلك في عذاب الدنيا والآخرة، ومع قبح صنيعهم معنا راعيناهم وأنعمنا عليهم.

[7.161-162]

{ و } من جملة ظلمهم على نفوسهم: إنهم { إذ قيل لهم } وأوصي إليهم إصلاحا لحالهم: { اسكنوا هذه القرية } أي: بيت المقدس { وكلوا منها } أي: من مأكولاتها المتسعة { حيث شئتم } بلا موافقة ومنع { وقولوا } متضرعين إلينا، متوجهين نحونا: { حطة } أي: سؤالنا منك يا مولانا: حط ما صدر عنا من الآثام وجرى علينا من المعاصي { وادخلوا الباب } سجدا؛ أي: باب بيت المقدس { سجدا } متذللين واضعين جباهكم على تراب المذلة والهوان؛ تأديبا وتعظيما { نغفر لكم خطيئاتكم } أي: جميعها إن امتثلتهم ما أمرناكم بها؛ بل { سنزيد المحسنين } [الأعراف: 161] منكم بالرضوان الأكبر منا.

{ فبدل الذين ظلموا منهم } أنفسهم بالخروج عما أمرناهم { قولا } صداقا صوابا قلنا لهم؛ لإصلح حالهم { غير الذي قيل لهم } على لسان رسلنا، بل حرفوها لفظا ومعنى، كما مر بيانه في سورة البقرة { فأرسلنا عليهم } بسبب تبديلهم وتحريفهم { رجزا من السمآء } أي: عذابا نازلا من جانب السماء { بما كانوا يظلمون } [الأعراف: 162] أي: بشؤم خروجهم عن مقتضى أوامرنا وأحكامنا.

[7.163-166]

{ و } أيضا من جملة ظلمهم على نفوسهم: حيلهم وخداعهم في نقض العهد، إن شئت أن تعرف { سئلهم عن القرية } أي: سل خداعهم وحيلهم عن أهل القرية { التي كانت حاضرة البحر } قريبة منه، قيل: إيلة، وقيل: طبرية الشام، وقيل: مدين، وقت { إذ يعدون } يتجاوزون عن حدودنا وعهودنا { في السبت } أي: العهد الذي عهدوا معنا ألا يصطادوا، بل أخلصوا لعبادتنا والتوبة نحونا فابتليناهم بمحافظة العهد { إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم } المعهود المحرم { شرعا } متابعة متوالية.

{ ويوم لا يسبتون } ولا يعهدون فيه { لا تأتيهم كذلك } أي: مثل سبتهم، فاحتالوا بتعليم شياطينهم حياضا وأخاديد، فأرسلوا الماء عليها في يوم السبت، واجتمعت الحيتان فيها واصطادوها يوم الأحد والإثنين؛ وبسبب خداعهم معنا واختلافهم الحيلة لنقض عهدنا { نبلوهم } ببلاء المسخ { بما كانوا يفسقون } [الأعراف: 163] بسبب فسقهم وخروجهم عن مقتضى العهد.

{ و } اذكروا { إذ قالت أمة منهم } أي: جماعة من صلحائهم، حين قال الصلحاء للمحتالين المناقضين على وجه العظة والتذكير: لم تحتالون وتخادعون مع الله كأنكم لم تخافوا من بطشه وانتقامه { لم تعظون } أيها المذكرون المصلحون { قوما } منهمكين في الغفلة الضلال { الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا } أي: أراد الله إهلاكهم وتعذيبهم بأشد العذاب بشؤم حيلهم وخداعهم هذا { قالوا } أي: المذكرون المصلحون تذكيرنا ونصحنا إياهم: { معذرة } منا { إلى ربكم } الذي أمرنا بنهي المنكر على وجه المبالغة { ولعلهم يتقون } [الأعراف: 164] أي: ونرجو من كرم الله أن ينتهوا بتذكيرنا عما هم عليه من الغفلة.

Unknown page