74

Maʿālim al-tanzīl fī tafsīr al-Qurʾān = Tafsīr al-Baghawī

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Editor

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Publisher

دار طيبة للنشر والتوزيع

Edition Number

الرابعة

Publication Year

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

جَسَدِ آدَمَ وَهُوَ مُلْقًى بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ لَا رُوحَ فِيهِ فَقَالَ: لِأَمْرٍ مَا خُلِقَ هَذَا ثُمَّ دَخَلَ فِي فِيهِ وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ وَقَالَ: إِنَّهُ خَلْقٌ لَا يَتَمَاسَكُ لِأَنَّهُ أَجْوَفُ ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ فُضِّلَ هَذَا عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَاذَا تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: نُطِيعُ أَمْرَ رَبِّنَا، فَقَالَ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ وَلَئِنْ سُلِّطَ عَلَيَّ لَأَعْصِيَنَّهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ يَعْنِي مَا تُبْدِيهِ الْمَلَائِكَةُ مِنَ الطَّاعَةِ ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ يَعْنِي إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ.
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)﴾
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ "لِلْمَلَائِكَةُ اسْجُدُوا" بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى جِوَارِ أَلِفِ اسْجُدُوا وَكَذَلِكَ قَرَأَ "قُلْ رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ" (١١٢-الْأَنْبِيَاءِ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَضَعَّفَهُ النُّحَاةُ جِدًّا وَنَسَبُوهُ إِلَى الْغَلَطِ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ أَيِّ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَ الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ مَعَ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ" (٣٠-الْحِجْرِ) وَقَوْلُهُ: ﴿اسْجُدُوا﴾ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَصَحُّ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَتَضَمَّنَ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ ﷿ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ وَتَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، كَسُجُودِ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَهُ فِي قَوْلِهِ ﷿ "وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا" (١٠٠-يُوسُفَ) وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ، إِنَّمَا كَانَ الِانْحِنَاءُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ.
وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿اسْجُدُوا لَآدَمَ﴾ أَيْ إِلَى آدَمَ فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً، وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا جُعِلَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لِلَّهِ ﷿.
﴿فَسَجَدُوا﴾ يَعْنِي: الْمَلَائِكَةُ ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَبِالْعَرَبِيَّةِ: الْحَارِثُ، فَلَمَّا عَصَى غُيِّرَ اسْمُهُ وَصُورَتُهُ فَقِيلَ: إِبْلِيسُ، لِأَنَّهُ أَبْلَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ يَئِسَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى "إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ"

1 / 81