45

Tafsir

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Investigator

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Publisher

دار طيبة للنشر والتوزيع

Edition Number

الرابعة

Publication Year

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

قَوْلُهُ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِثْلَ نَدْمَانٍ وَنَدِيمٍ وَمَعْنَاهُمَا ذُو الرَّحْمَةِ، وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ (تَطْمِيعًا) (١) لِقُلُوبِ الرَّاغِبِينَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ إِنْعَامٌ بَعْدَ إِنْعَامٍ، وَتَفَضُّلٌ بَعْدَ تَفَضُّلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: الرَّحْمَنُ بِمَعْنَى الْعُمُومِ وَالرَّحِيمُ بِمَعْنَى الْخُصُوصِ. فَالرَّحْمَنُ بِمَعْنَى الرَّزَّاقِ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ لِكَافَّةِ الْخَلْقِ. وَالرَّحِيمُ بِمَعْنَى الْمُعَافِي فِي الْآخِرَةِ وَالْعَفْوُ فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْخُصُوصِ وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي الدُّعَاءِ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ، فَالرَّحْمَنُ مَنْ تَصِلُ رَحْمَتُهُ إِلَى الْخَلْقِ عَلَى الْعُمُومِ، وَالرَّحِيمُ مَنْ تَصِلُ رَحْمَتُهُ إِلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلِذَلِكَ يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ رَحِيمًا وَلَا يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ رَحْمَنَ. فَالرَّحْمَنُ عَامُّ الْمَعْنَى خَاصُّ اللَّفْظِ، وَالرَّحِيمُ عَامُّ اللَّفْظِ خَاصُّ الْمَعْنَى، وَالرَّحْمَةُ إِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْخَيْرَ لِأَهْلِهِ. وَقِيلَ هِيَ تَرْكُ عُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَإِسْدَاءُ الْخَيْرِ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، فَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ صِفَةُ ذَاتٍ، وَعَلَى الثَّانِي صِفَةُ (فِعْلٍ) (٢) . وَاخْتَلَفُوا فِي آيَةِ التَّسْمِيَةِ فَذَهَبَ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَفُقَهَاءُ الْكُوفَةِ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ وَالِافْتِتَاحُ بِهَا لِلتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ. وَذَهَبَ قُرَّاءُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ وَأَنَّهَا كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ إِلَّا سُورَةَ التَّوْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّ سَائِرِ الْقُرْآنِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ فَالْآيَةُ الْأُولَى عِنْدَ مَنْ يَعُدُّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ﴾ وَمَنْ لَمْ يَعُدَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ قَالَ ابْتِدَاؤُهَا "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" وَاحْتَجَّ مَنْ جَعَلَهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَمِنَ السُّوَرِ بِأَنَّهَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (قَالَ) (٣) "وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ" (٨٧-الْحِجْرِ) هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ قَالَ أَبِي وَقَرَأَهَا عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" الْآيَةُ السَّابِعَةُ قَالَ سَعِيدٌ: قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتُهَا عَلَيْكَ ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْآيَةُ السَّابِعَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَذَخَرَهَا لَكُمْ فَمَا أَخْرَجَهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ (٤) . وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ احْتَجَّ بِمَا ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَازِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبُو عِيسَى إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ: "قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ﵃ فَكُلُّهُمْ كَانَ لَا يَقْرَأُ "بِسْمِ

(١) في الأصل: تعظيما. (٢) في الأصل: الفعل. (٣) ساقط من (أ) . (٤) أخرجه الشافعي في المسند: ١ / ٧٩-٨٠ (ترتيب المسند للسندي) والمصنف في شرح السنة: ٣ / ٥٠. وانظر: تلخيص الحبير لابن حجر: ١ / ٢٣٢.

1 / 51