Maʿālim al-tanzīl fī tafsīr al-Qurʾān = Tafsīr al-Baghawī
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Editor
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition
الرابعة
Publication Year
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ، مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ أَنْ يَتْرُكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَقِيلَ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ وَصَرِيحُ اللَّفْظِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ثَلَاثَةٌ: الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الصَّرِيحُ هُوَ لَفْظُ الطَّلَاقِ فَحَسْبُ، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ أَنَّ الْحُرَّ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا يَجُوزُ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ خَالَعَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِإِذْنِهَا، وَإِذْنِ وَلِيِّهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ، مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَأَمَّا الْعَبْدُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ، فَطَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ آخَرَ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الطَّلَاقِ بِالزَّوْجِ، فَالْحُرُّ يَمْلِكُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ، وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ﵁: الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ، يَعْنِي يُعْتَبَرُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ حَالُ الرَّجُلِ وَفِي قَدْرِ الْعِدَّةِ حَالُ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَرْأَةِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ فَيَمْلِكُ الْعَبْدُ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ وَلَا يَمْلِكُ الْحُرُّ عَلَى زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إِلَّا طَلْقَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ أَعْطَيْتُمُوهُنَّ ﴿شَيْئًا﴾ الْمُهُورَ وَغَيْرَهَا ثُمَّ اسْتَثْنَى الْخُلْعَ فَقَالَ ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَيُقَالُ: حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَكَانَتْ تَبْغَضُهُ وَهُوَ يُحِبُّهَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ فَأَتَتْ أَبَاهَا فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا وَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ يُسِيءُ إِلَيَّ وَيَضْرِبُنِي فَقَالَ: ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ فَإِنِّي أَكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَزَالَ رَافِعَةً يَدَيْهَا تَشْكُو زَوْجَهَا قَالَ: فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ وَبِهَا أَثَرُ الضَّرْبِ فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي إِلَى زَوْجِكِ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ أَبَاهَا لَا يَشْكِيهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا وَأَرَتْهُ آثَارًا بِهَا مِنْ ضَرْبِهِ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَنَا وَلَا هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى ثَابِتٍ فَقَالَ: "مَا لَكَ وَلِأَهْلِكَ؟ " فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا غَيْرَكَ، فَقَالَ لَهَا: مَا تَقُولِينَ؟ فَكَرِهَتْ أَنْ تَكْذِبَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ سَأَلَهَا فَقَالَتْ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ قَدْ خَشِيتُ أَنْ يُهْلِكَنِي فَأَخْرِجْنِي مِنْهُ، وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكَ خِلَافَهُ، هُوَ مِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ مَحَبَّةً لِزَوْجَتِهِ، وَلَكِنِّي أَبْغَضُهُ فَلَا أَنَا وَلَا هُوَ، قَالَ ثَابِتٌ: قَدْ أَعْطَيْتُهَا حَدِيقَةً فَلْتَرُدَّهَا عَلَيَّ وَأُخَلِّي سَبِيلَهَا فَقَالَ لَهَا: "تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ أَمْرَكِ"؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَا ثَابِتُ خُذْ
1 / 270